السفير معاوية عثمان خالد: إنسان فوق العادة

 

مهدي الخليفة

سفارة السودان بواشنطن كانت دائمًا محظوظة باختيار سفراء مميزين، حيث عادة ما يتم انتقاء أميز الدبلوماسيين لتمثيل البلاد في هذه المحطة الدبلوماسية الحيوية. وقد تشرفت السفارة على مر السنوات بعدد من السفراء الذين خدموا السودان بإخلاص وتجرد، وكان السفير معاوية عثمان خالد واحدًا من هؤلاء الذين تركوا بصمة لا تُنسى.

معاوية عثمان خالد لم يكن مجرد سفير عادي في وزارة الخارجية، بل كان قبل ذلك سفيرًا للقيم النبيلة والإنسانية. كان سفيرًا للإنسانية قبل أن يكون سفيرًا للسودان . لكل من عرفه أو تعامل معه، كان السفير معاوية إنسانًا فوق العادة، يجمع بين الدبلوماسية الراقية والحكمة النادرة والأخلاق الرفيعة. انسان لديه قدرة فريدة على نسج خيوط المحبة بين الناس، وجمع القلوب بفضل شخصيته الكاريزمية وتواضعه الجم.

السفير معاوية عثمان خالد كان نموذجًا للدبلوماسي المثقف الواعي، الذي يجمع بين العلم والأدب والتهذيب. لم يكن مجرد موظف يؤدي مهامه الروتينية، بل كان دبلوماسيًا بمعنى الكلمة، يعمل بقلبه قبل عقله. منذ اللحظة الأولى التي تتعرف عليه، يجبرك بصدقه وطيبة قلبه على أن تصبح صديقًا له. معاوية هو من أولئك النفر الذين إذا التقاك، فإنهم يصافحونك بقلوبهم قبل ان يمدوا اليك أيديهم، يلاقونك بفرحة و مودة صادقة لا تشوبها رياء أو تكلف.

لا يمكن الحديث عن السفير معاوية دون التطرق إلى إنجازاته الدبلوماسية الكبيرة، خاصة فيما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان. كان معاوية أول من بدأ العمل الجاد مع الإدارة الأمريكية في هذا الملف الشائك، حيث قطع أكثر من 90% من الطريق نحو تحقيق هذا الهدف. لقد بذل جهودًا جبارة في التفاوض وإقناع الادارة الأمريكية انذاك بضرورة إنهاء العقوبات التي كانت تثقل كاهل الشعب السوداني.

لو قُدر له أن يستمر في منصبه، لكان قد أنجز المهمة بكفاءة أعلى ودون التكلفة المالية الكبيرة التي تحملها السودان لاحقًا. ومع ذلك، فإن الفضل الكبير في بدء هذه المسيرة يعود إليه، حيث وضع الأسس التي مهدت الطريق للإنجاز النهائي. وقد تم رفع العقوبات بشكل نهائي في عهد السفير نور الدين ساتي، بمعاونة فريق تفاوض متميز ضم السفير محمد عبد الله التوم، واللواء علي عبد العظيم، والمستشار عمر من ديوان النائب العام.

معاوية عثمان خالد لم يكن مجرد دبلوماسي، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لقد ترك إرثًا من المحبة والاحترام في قلوب كل من عرفه او عمل معه. كان نموذجًا للدبلوماسي المثالي، الذي يجمع بين الكفاءة المهنية والأخلاق الرفيعة. كان سفيرًا لوطنه بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وسفيرًا للإنسانية في كل مكان ذهب إليه. وسيظل إرثه الإنساني والدبلوماسي مصدر إلهام للأجيال القادمة من الدبلوماسيين. شهادتي في صديقي السفير معاوية، وشهادة كل من عرفه، هي شهادة مجروحة بحق، ليس فقط لأنه كان دبلوماسيًا بارعًا، بل لأنه كان إنسانًا فوق العادة و سيظل دوما إنسانًا فوق العادة.

Exit mobile version