برزت ممارسة ما يسمى “ حامل القلم “ Penholder في نظام عمل مجلس الأمن في الأمم المتحدة – وهي ممارسة استقرت في العمل رغم أنها غير رسمية – عام 2003 . استقرت بالممارسة أو ” المماركة ” كما يقول أهلي المزارعون بالقضارف ، وهي أحلى !!!
وحامل القلم هو الدولة العضو في مجلس الأمن التي تصوغ المشروعات والقرارات ، وتتدخل في تحديد الصفة التي يجتمع بها مجلس الأمن لمناقشة موضوع ما ، وغالباً هي الدولة التي تبتدر النقاش ، وترأس التفاوض حول المشروع .
وتضطلع الدولة حامل القلم بأمر : (1) ملف دولة Country – Specific File
أو :
(2) أمر المسائل المواضيعية Thematic matters ( مثل قضايا الطفل ، والصراعات المسلحة ، وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل )
وحالياً تستحوذ ثلاث دول دائمة العضوية ( P3 ) وهي بريطانيا وأميركا وفرنسا ، مستقلةً ؛ على مسؤولية حامل القلم في ملفات 22 دولة من بين 33 .
وتتولى القيادة في 7 من بين 12 من المسائل مواضيعية .
وحين تتولى دولة مسؤولية حامل القلم في أمر ما ، فهي التي تقود وتشكل نتائج القرارات التي يصدرها مجلس الأمن بشأن ذلك الأمر .
ورغم أنه يمكن نظرياً لأي دولة من بين الدول العشر المنتخبة في المجلس ( E10 ) أن تكون حامل القلم ؛ إلّا أن تلك الدول الثلاث الكبار ظلّت عملياً مسيطرة على مسؤولية حامل القلم في المجلس ، منذ بروز تلك الممارسة في 2003 .
وجراء سيطرة ال P3 ، أصبحت كأمر واقع هي المحتكرة De facto Monopoly لما يصدره المجلس من قرارات .
وخلقت تلك السيطرة تبرّماً بين الأعضاء ; إذ غدت من أدوات الهيمنة Hegemony من قبل الدول الكبرى ؛ مما جعل بعض الدول تنادي بإصلاحها في إطار إصلاح مجلس الأمن .
وفي هذا الصدد أعلنت دولة مالي ، في 1 مارس 2023، رفضها أن تكون فرنسا حامل القلم في أي قضية تخص مالي ؛واتهمتها ” بالعدوان ، وانتهاك مجالها الجوي ، والتخريب ، وإشاعة عدم الاستقرار ” في بلادها .
ومن سوء حظ السودان أن بريطانيا هي حاملة القلم في شؤونه . وقد اتضح عدم حيادها ؛ بل تآمرها في شكوى السودان لمجلس الأمن من تدخل وعدوان دولة الإمارات . فقد عمدت لتغيير طبيعة الجلسة ، وتحويلها إلى جلسة نقاش خاصة بأعضاء مجلس الأمن . وهي بذلك تهدف إلى تسويف الأمر والبحث عن ما يُنجي الأمارات من إدانة ، أو قرار يجعلها تدفع ثمن عدوانها على السودان .
ومن حق السودان ، بل من واجبه أن يرفض أن تكون بريطانيا هي حامل القلم في الشأن السوداني ؛ خاصة وقد أظهرت تحيزها وتآمرها ضد مصالحه . وليس ذلك بغريب على الإنجليز الذين جُبِلوا على المكر والكيد والخديعة ؛ وأنا أعرف ذلك منهم من خلال عملي سفيراً بلندن لأربع سنوات .
وليس ثَمّة ما يحول دون رفض السودان لحمل بريطانيا قلم الشأن السوداني ، إلّا كَوْن مندوب السودان الدائم لدي الأمم المتحدة ( الحارث إدريس ) مواطن مزدوج الجنسية ، حامل للجنسية البريطانية منذ سنين . ويُخشى أن يصده تضارب المصالح Conflict of Interest من رفع لواء الرفض . و هذا أمر يتحدث عنه زملاءه ، مستشهدين بخوفه وتردده في موضوع طرد ڤولكر ، وشاركه في تردده ذاك وزير الخارجية السابق علي الصادق . وخلعا ترددهما – عبر توصيتهما – على القيادة العسكرية ، الشيئ الذي جعلها تتأخر في قرار طرد ڤولكر أياماً مديدة ، بل شهوراً عديدة .
وفي حال فشل السودان في تحقيق رفضه لبريطانيا أن تكون حامل القلم ؛ فيمكنه أن يلجأ للخيار الثاني ، وهو المطالبة أن تكون دولة أخرى شريكة لها في حمل القلم Co-penholder . وهذه المشاركة في حمل القلم ممارسة معمول بها في مجلس الأمن .
ومنادة السودان بمشاركة حمل القلم ستجد قبولاً ، في ضوء مطالبة الدول أن يعكس عمل المجلس تعدد الأطراف multilateralism ، والتوازن Balance . وكذلك ما يجعله غير متحيز وأقرب للشفافية ، والفعالية والمحاسبية والشمول .
وللسودان قضية ” مكسوبة “ضد الإمارات ، إذا أحسن استخدام الأوراق التي بحوزته . وأول تلك الأوراق رفض أن تكون بريطانيا حامل القلم ، أو منع إنفرادها به ، لصد تحايلها .
ولن يصد السودان عن الإلحاح بتلك المطالبة إلّا أن تكون الإمارات لازالت مؤثّرة على صنّاع قرارنا . ويتحدثون في الخارجية أنها كانت تفعل ذلك مع علي الصادق ، حتى في نقل سفراء لسفارات !!!
ويمكن للسودان حشد دعم دول مثل روسيا والصين والجزائر ( Elected member ) لقضيته . والوثائق والإدانات التي صدرت من منظمات دولية ومن دول ( آخرها شهادة المبعوث الأمريكي بالكونغرس بالأمس ) ضد الإمارات ، ستُحْرِج أعضاء عديدين . خاصة أن الإمارات استقدمت مرتزقة من دول عديدة في عدوانها على السودان . واستجلاب دولة لمرتزقة يجعلهم جزء من جيشها !!! .
السفير عبد الله الأزرق
————————————
2 مايو 2024