الدعم السريع واستراتيجية التوحش 2-2
اللواء (م) د. عادل حسن
التحول الاستراتيجي لداعش:
مع انهيار استراتيجية التمكين التي تبناها تنظيم داعش في أعقاب سقوط ما يسمى الخلافة الداعشية من الموصل عام 2017 إلى التركيز على مفهوم حتمية الصدام عبر اتباع ثلاثة تكتيكات أساسية:
الأول: تكثيف معدل العمليات الإرهابية مع اختيار أهداف ومناطق جديدة لتنفيذ العمليات.
الثاني: النشاط الإعلامي من خلال الظهور المتكرر للمتحدث الرسمي لتنظيم الدولة (داعش) أبو حمزة القرشي، بهدف ترويج مزاعم بشأن تماسك التنظيم من ناحية، وحشد وتعبئة المقاتلين سواء في المركز أو الفروع المختلفة التابعة له من ناحية أخرى.
الثالث: الإعلان عن استراتيجية جديدة مغايرة للاستراتيجية القديمة (إدارة التوحش والتمكين).
إذ تحاول داعش من خلالها رسم ملامح المرحلة الجديدة من حيث التكتيكات القتالية والعملياتية، وطبيعة الأهداف تحت مسمى استراتيجية (الظهور والتلاشي) والتي تعتمد على العملية المفاجئة التي تقوم على محدودية النطاق واتساع التأثير، والبدائية من التكتيكات والأسلحة المستخدمة وتحويلها إلى عمليات انتقامية أو استعراضية بعد أن كانت ذات أهداف توسعية. وعبر هذه التكتيكات الثلاثة، ومنذ النصف الأول من عام 2021 اعتمدت داعش ثلاثة أقاليم أساسية لتواجدها وتنفيذ عملياتها، وهي:
إقليم الساحل الأفريقي الذي يبدأ من نقطة الارتكاز من جنوب غرب ليبيا مروراً بتشاد والنيجر وشمال نيجيريا وشمال بوركينافاسو ومالي وصولاً إلى المحيط الأطلنطي، وهو ما أطلق عليه التنظيم (داعش غرب أفريقيا)، والتي تعتبر واحدة من أهم مناطق إرتكازات التنظيم، وأكثرها نشاطاً من حيث عدد العمليات الإرهابية والعضوية.
إقليم وسط أفريقيا الممتد من الكنغو مروراً بموزمبيق إلى أن يصل تنزانيا. ويعتبر هذا الإقليم محور ومركز عمليات داعش لكل أفريقيا. وتسعى كذلك إلى التوسع في هذا الإقليم نحو الصومال وكينيا إلى أن تصل إلى المحيط الهندي.
الإقليم الآسيوي وقد ركز التنظيم عملياته في الفترة الأخيرة على منطقة آسيا، وقد استهدفت عملياته في الهند عناصر الأمن والشرطة إضافة إلى تنفيذ عمليات أخرى في أفغانستان وباكستان والانتشار في مناطق آسيا الوسطي. وقد سعى التنظيم في هذا الإقليم إلى تحقيق الآتي:
إضعاف المنافسين له خاصة القاعدة والعمل على تفكيك تنظيم القاعدة والاستيلاء على مقدراته البشرية والعسكرية واللوجستية. كما حدث بإعلان مجموعة أبوبكر شيكاو زعيم تنظيم بوكو حرام انضمامه لداعش. بمعنى آخر تحاول داعش انتزاع زعامة الحركات الإرهابية خصوصاً القاعدة التي تعتبر المنافس الأقوى لها في أفريقيا وضمها إليه.
رسائل للقوى المقاومة: السعي إلى إعادة تأسيس بؤر ومحاور داعشية ممتدة إلى توجيه رسائل إلى المعنيين بالحرب ضد الإرهاب (التحالف). رغم الضربات والهزائم التي تعرض لها تنظيم الدولة إلا أنه مازالت لدية القدرة على تعزيز وجوده وتفوقه في مناطق مختلفة.
السعي للتمدد واستعادة النفوذ: يحاول تنظيم داعش الترويج إلى أنه نفذ انسحاب اضطراري من مناطق نفوذه القديمة وتبنى استراتيجية انتشار جديدة مع استقطاب أعداد كبيرة من الموالين والمقاتلين في دول غير عربية، وبشكل خاص وسط الأقليات المسلمة في بعض الدول الأفريقية والآسيوية.
تقليل الضغوط على مركزية التنظيم وقيادته: الحرص على تكثيف العمليات الإرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، خصوصاً في أفريقيا وتفادي الضغوط التي يواجهها في العراق وسوريا وأخيراً ليبيا وجنوب سينا من قبل قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
العمل على استقطاب عناصر جديدة للتنظيم خاصة في ظل تراجع عنصر الخبرة التنظيمية والعملياتية خلال الفترة الماضية بعد أن قتلت أهم القيادات والكفاءات العسكرية والتنظيمية.
إن استراتيجية التحول في الأقاليم الثلاثة كانت نتاج فعالية الحملة الدولية التي استهدفت التنظيم في مواطنه الرئيسية خاصة روسيا وليبيا والتي أدت إلى اصطفاف التنظيم خاصة بعد أن فقد قائده أبوبكر البغدادي.
تطور عمليات داعش المتوحشة:
في 10 مارس 2014 سمع أصوات إنفجارات قادمة من المدينة القديمة على الضفة الغربية من نهر دجلة الذي يقسم الموصل إلى جانبين، وبعدها سيطرت الجماعات المسلحة المهاجمة على المدينة التي تتألف من عراقيين وأجانب. وذكروا للمواطنين أنهم جاءوا بهدف التخلص من الجيش العراقي وتقديم المساعدة لهم، وفي اليوم التالي عبر المسلحون النهر واستولوا على الجزء المتبقي من المدينة، ولم تستطع قوات الجيش والشرطة الذين كانوا يفوقون المهاجمين عدداً بفارق كبير، إيقافهم ومواجهتهم ففروا وتركوا ملابسهم العسكرية وانضموا إلى سكان المدينة البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة، وأعلن التنظيم عن نفسه باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والذين انطلقت عناصره عبر الصحراء من شرقي سوريا. وكانت الغنائم الوفيرة في انتظاره، فقد قام الجيش العراقي الذي أعاد الامريكيون بنائه وتدريبة وتجهيزه بالعتاد بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003، بالتخلي عن كميات كبيرة من المدرعات والأسلحة المتقدمة، فاستولت عليها المليشيات. وبعد أن توفر لديهم هذه الترسانة من الأسلحة قاموا بنهب حوالي 500 مليون دولار من فرع البنك المركزي في الموصل.
ومع انهيار الجيش في المنطقة الشمالية بأكملها، تحركت المليشيات بسرعة عبر وادي دجلة، وتساقطت البلدات والقرى واحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو، ولم يكن يمر يوم حتى استولى مسلحو التنظيم على بلدة بيجي بما في ذلك مصفاة النفط الضخمة، ثم الاستلاء على بلدة تكريت السنية القديمة مسقط رأس صدام حسين، ومحاصرة قاعدة أو معسكر (سبايكر) في منطقة الأنبار غربي العراق وتم استلام المعسكر بأكمله. وأخذوا الجنود العراقيين الذين كان غالبيتهم من الشيعة في شاحنات بعيداً عن المعسكر، وأطلقوا عليهم النار والذين يقدر عددهم بحوالي 1700 شخص قتلوا في هذه المذبحة بدم بارد، ولايزال البحث عن المقابر الجماعية مستمر. وبدلاً من أن يخفي التنظيم جرائمه الوحشية تلذذ بعرض مقاطع فيديو وصور على الانترنت تظهر عناصره المتوحشون بالسواد وهم يقتادون السجناء الشيعة ويطلقون عليهم الرصاص.
وسع تنظيم الدولة الإسلامية من عملياته ليشمل مساحات كبيرة شمال العراق التي يقطنها الأكراد ويسيطروا عليها. وأخذ نساء مدينة سنجار ذات الأغلبية الايزيدية أسرى وسبايا حيث يعتبر هذه الأقلية عبارة عن مجموعة من الزنادقة، فقتل منهم المئات وفر الباقون والذين بقوا من النساء والأطفال أخذوا أسرى حرب إلى أن يتم بيعهم أو مقايضتهم كسلع منقولة، واستخدمت الفتيات كجواري للمتعة الجنسية. فقد بث التنظيم مقطع فيديو يظهر فيهو قاطع الرؤوس سيئ الذكر محمد أموازي ذو اللكنة اللندنية والذي لقب باسم (الجهادي جون)، وهو يقتل الصحفي الأمريكي جيمس فولي بطريقة وحشية.
وفي الأسابيع التالية ظهر المزيد من الصحفيين وموظفي الإغاثة الأمريكية والبريطانية ومنهم ستيفن سوتلوف وديفيد هينز وألان هينبخ وبيتر كاسينغ والذي كان قد أشهر إسلامه وغير اسمه إلى عبد الرحمن، وهم يذبحون في مقاطع فيديو مشابهة متقنة الإنتاج والإخراج، لم تخل من البيانات الترويجية للتنظيم والتحذيرات المروعة.
وفي غصون شهور شق تنظيم الدولة الإسلامية داعش الذي لم يكن سوى جماعة طريقه نحو العالمية، متبنياً تفجيرات هنا وهناك، وبين عشية وضحاها أصبح محط أنظار العالم، وهو يسيطر على مساحة 12 ألف كلم. وقد سماه رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك بالرعب الجديد الذي يندي له الجبين ووصف الحالة بأنها همجية القرون الوسطى التي اقترفت الجرائم وازدادت توسعاً مستعينة بأحدث الوسائل التكنلوجية.
أهتم تنظيم داعش بتدمير المراكز الحضارية والأثرية والثقافية مثل بعض المواقع الأكثر شهرة وإقبالاً، منها (معبد بل وبعل شميل) في مدينة تدمر بسوريا ومدينتا الحضر والنمرود الاثريتان في العراق، بل ودمرت أيضاً الكنائس والدير القديمة ومساجد الشيعة وأزيلت النقوش منها. ونسف مرقد الإمام عون الدين الذي يعود بناءة إلى القرن الثالث عشر، والذي صمد أمام تمرد المغول.
وقد أظهرت مقاطع فيديو للتنظيم قيامه بأعمال في نظر العالم من جرائم تخريب معتمد للتراث الحضاري، وهذه الأعمال هي المقابل الثقافي لقطع رؤوس موظفي الإغاثة. وقد أصدر بيت مال المسلمين التابع لتنظيم الدولة أذونات كتابية ورقية لنهب المواقع الأثرية.
وفي نقاط التفتيش يتحقق مسلحو التنظيم من بطاقات الهوية بقاعدة البيانات المحفوظة على الأجهزة المحمولة (لابتوب) التي حصلوا عليها من الهيئات الحكومية أو من سجلات الموظفين، وكان لزاماً على الأعضاء السابقين في قوات الأمن الذهاب إلى مساجد خاصة لإعلان (التوبة) وتسليم أسلحتهم ثم يتلقوا بعدئذ ورقة تفيد بالعفو عنهم. كما منعوا النساء من الخروج من غير حجاب، وأمروا الرجال بإطلاق اللحية وارتداء السراويل القصيرة وحظروا السجائر والشيشة والموسيقى والمقاهي وحظر مشاهدة التلفاز، واعتمد نظام شرطة الآداب التي تجوب الشوارع بحثاً عن المخالفين. وقد أنشاءوا محاكم لقانونهم الخاص الذي يتجاوز الحقوق الأساسية للإنسان المنصوص عليها في الأديان والمواثيق الدولية. وذكرت إحدى ضحايا التنظيم بأنه قتل أحد عناصره زوجي واغتصبني ثم اتخذني زوجة له.
بعد أن وصل مقاتلو التنظيم تخوم أربيل العاصمة الكردية، قامت القوات الأمريكية بمنعهم من دخولها، ثم المساعدة في وقف الإبادة الجماعية للإيزيديين وبعد عشرة أيام من الغارات الأمريكية على داعش قطع رأس جيميس فولي، التزاماً بمنهج التوحش ولكن أشد الفظائع هولاً حدثت بعد بضعة أشهر حرق الطيار الأردني معاذ الكساسية الذي أسقطت طائرته حياً، وكذلك إعدام الأسري في ليبيا.
فمنذ إعلان الخلافة حتى بدأيات عام 2016 وقع نحو 70 هجوماً إرهابياً نفذه مسلحو تنظيم الدولة أو موالين له في 20 دولة حول العالم من كاليفورنيا إلى سيدني، وقدر عدد القتلى 1200 ضحية. وحملت الهجمات نفس رسالة العقاب والردع والاستفزاز بقطع رؤوس الرهائن مع البرهنة على امتداد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية عالمياً.
ومن الفظائع التي أرتكبها التنظيم إسقاط الطائرة الروسية في سينا في أكتوبر 2015، وتبني التنظيم أسلوب الانتحاريين لتفجير الأهداف المختلفة مثل وحدات الكاميكازي اليابانية في الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن تم قتل حوالي 15 ألف من عناصره بواسطة الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف، استطاع أن يعوض هذا الفاقد من السكان السنة. وفي الوقت الذي نجح فيه التنظيم استقطاب عناصر كبيرة في العراق، لم يتسنى له ذلك في سوريا وقد تركز وجوده فقط في مدينة الرقة، ثم انتقل إلى ليبيا، وبعد أن هزم فيها انتقل إلى أفريقيا وآسيا.
قوات الدعم السريع:
في عام 2003 وعلى أثر بداية الحرب في إقليم دارفور، أنشأت وزارة الدفاع السودانية قوات حرس الحدود وهي عبارة عن مليشيا قوامها عرب دارفور، تحديداً ممن عرفوا (بالتائبين) الذين صدرت بحقهم بلاغات قتل ونهب مسلح وحصلوا على عفو شامل مقابل القتال في صفوف الجيش (الجنجويد). أطلق عليها في البداية استخبارات حرس الحدود، ثم صارت فيما بعد حرس الحدود في إطار قوات الدفاع الشعبي، وقد كانت حاجة الجيش لقوات سريعة الحركة لمواجهة العناصر المتفلته المهددة لأمن الإقليم وكذلك مواجهة الحركات المسلحة، إلا أن سلوك هذه العناصر أصبح مهدد لأمن الإقليم عبر الاعتداءات المتكررة على المواطنين.
في عام 2013 دعت الحاجة لإنشاء قوة عسكرية مسانده للجيش تتمتع بنفس التكتيك والأسلوب الذي تستخدمه الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فقام جهاز الأمن والمخابرات الوطني بإعادة تشكيل تلك القوات تحت مسمى قوات الدعم السريع (قدس)، وتمت إعادة تدريبها وتسليحها بتنسيق مع القوات المسلحة السودانية. وبدأت أول حروبها في جنوب كردفان ثم دارفور واستطاعت أن تحقق انتصارات كبيرة على قوات الجبهة الثورية، مما تمتلكه من الخبرات العسكرية مما عدل من الميزان العسكري بشكل واضح لصالح الحكومة في دارفور، إلا أن السلوك الغير منضبط وطموح قيادة هذه القوات خلقت بعض الإشكالات لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، فتم إسناد تبعيتها كمؤسسة لرئاسة الجمهورية، ثم صدر قانون خاص بها في عام 2017 يمنحها صفة قوة أمنية مستقلة. في عام 2019 شاركت قوات الدعم السريع في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير بمشاركتها بتنفيذ قرار اللجنة الأمنية المكونة من الجيش والشرطة والأمن وقوات الدعم السريع، وأصبح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب لرئيس مجلس السيادة، وأسندت لهذه القوات مهام تأمين العاصمة والمواقع الاستراتيجية بها. وبعد حل قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن تمكنت تلك القوات من الاستيلاء على مقار الهيئة وسلاحها وكل المعينات اللوجستية والمتحركة.
عند إعلان الحرب من قبل السعودية والإمارات ضد الحوثيين في اليمن، شاركت قوات الدعم السريع في تلك الحرب، الأمر الذي أتاح لها نسج شبكة من العلاقات العامة خاصة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، أيضاً أسند لها تأمين الحدود في مواجهة الهجرة غير الشرعية والعناصر الإرهابية والمخدرات فتعززت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي الذي أدى إلى إعلان (عملية الخرطوم) التي حظي بها الدعم السريع على دعم كبير.
وبعد الصراع الذي نشب بين قائد الدعم السريع وقائد الصحوة موسى هلال تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أهم مناطق تعدين الذهب مما أتاح لقيادة الدعم السريع أن تحصل على ثروة ضخمة بجانب الدعم البشري واللوجستي الكبير الذي ظلت توفره دولة الإمارات العربية المتحدة لها.
ومع تنامي مركزية الدعم السريع (حميدتي) العسكرية والاقتصادية صارت له طموحات سياسية تصل إلى نية حكم السودان كله لذلك جعله ينتقل من أجل كسب الولاء في تحالفات بين قوى مجتمعية (القيادات القبلية والعشائرية والطرق الصوفية) وأحزاب سياسية وحركات مسلحة واستقطاب قيادات في القوات النظامية، وبما توفر له من مال استقطب كثير من القيادات المجتمعية والسياسية والعسكرية. فتنامي طموحة في حكم السودان، مما خلق نوع من التنافس الحاد مع قيادة القوات المسلحة، ومحاولة التمرد عليها بالتحالف مع مجموعة الإطاري (قحت) بأن تظل قوات الدعم السريع قوة مستقلة عن الجيش لحوالي عشرة سنوات. فتحول التنافس إلى صراع عنيف باندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بعد أن أعاد انتشار قواته البالغة أكثر من مائة ألف عنصر، ومحاولة احتلال مطار مروي.
توحش قوات الدعم السريع وانتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي:
أعرب عدد من خبراء الأمم المتحدة قلقهم بشأن التقارير التي تفيد بالوضع الإنساني المأساوي في السودان. إذ قتل آلاف المدنيين وشرد الملايين قسراً من منازلهم، كما أجبر ما يقارب من 700 ألف لاجئ وطالب لجوء على الفرار إلى الدول المجاورة، ونزوح أكثر من 4 مليون. وأعربوا في بيان صحفي عن القلق بوجه خاص بشأن التقارير المستمرة عن الانتهاكات واسعة النطاق المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع بما في ذلك تقارير تعرض نساء وفتيات للاختفاء القسري وإجبارهم على العمل واستغلالهم جنسياً، وأكد بأن مئات النساء احتجزن من قبل قوات الدعم السريع في ظروف مهينة وغير إنسانية. وأشار البيان الصحفي بأن أعضاء الدعم السريع يستخدمون الاغتصاب والعنف الجنسي كأدوات لمعاقبة وترهيب المجتمعات، وأن بعض الحالات مدفوعة بأسباب عرقية وعنصرية. وأشاروا إلى صعوبة وصول الجهات والمنظمات المحلية والدولية للمتضررين والمؤهلين للحصول على الحماية الدولية من أجل تقديم الحماية لهم وتوفير الرعاية الصحية وخدمات الإغاثة والإيواء.
كانت وزارة الخزانة الامريكية قد فرضت عقوبات علي نائب قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو بسبب الانتهاكات في إقليم دارفور، خاصة غرب دارفور التي شهدت تطهير عرقي وأباده جماعية ومقابر جماعية. كما تم قتل والي غرب دارفور وتم التمثيل بجثته بشكل وحشي، وقالت الوزارة إن العقوبات ضد عبد الرحيم دقلو جاءت لقيادته قوات الدعم السريع التي وصفتها بأنها كيان شارك أعضاؤه في أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الانسان بما في ذلك مذابح بحق المدنيين وعمليات القتل الوحشي واستخدام العنف الجنسي.
أوضح تقرير النيابة العامة السودانية بأن هناك أكثر من 500 بلاغ خاص بمفقودين تشمل انتهاكات الاختفاء القسري. وكشفت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان ازدياد حالات الاختفاء القسري للنساء في نيالا. وذكر شهود عيان أن هناك نساء وفتيات محتجزات في مخازن وفنادق في نيالا والخرطوم. وتلاحق السلطات قوات الدعم السريع بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات منذ اندلاع الحرب من بينها احتلال منازل المواطنين وحرقها وسرقة السيارات واحتلال المباني والمرافق الصحية وتحويلها ثكنات عسكرية. كما قامت بتدمير مؤسسات الدولة والوزارات والبعثات الدبلوماسية والبنيات التحتية والآثار ومصادر توليد الكهرباء والماء ونهب البنوك والمحلات التجارية والمصانع والشركات والقصف العشوائي عمداً بهدف الترويع والخروج من المنازل لاحتلالها ونهبها.
قالت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري إنها سجلت 430 بلاغاً عن مفقودين أثناء الحرب، وتلقت أقسام الشرطة بمدينة ود مدني التي استقبلت آلاف الفارين من الحرب بالخرطوم بلاغات بأسماء رجال ونساء وأطفال مفقودين.
وكشفت الشرطة السودانية أن هناك أكثر من 32 ألف بلاغ ضد الدعم السريع في الفترة من 1 يونيو حتى 20 أكتوبر 2023 (أشخاص مفقودين 113 بلاغ، التعدي على النفس 40 بلاغ، التعدي على المال 7721 بلاغ، السيارات المنهوبة 23761).
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه تلقى معلومات موثقة تقيد بدفن جثث مالا يقل عن 87 قتيلاً من قبيلة المساليت وقبائل أخرى بواسطة قوات الدعم السريع والمليشيات الموالية لها في غرب دارفور، والذين دفنوا في مقبرة جماعية خارج مدينة الجنينة. وقالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن المقابلات التي أجريت مع الفارين من الجنينة إلى (أدري) في تشاد كشفت وقائع مروعة عبر قيام مليشيا عربية مدعومة بقوات الدعم السريع بقتل الفارين من المدينة سيراً بالأقدام.
هناك معلومات تفيد بأن قوات من بوكو حرام وداعش من غرب أفريقيا وليبيا قد انضمت إلى قوات الدعم السريع بهدف الوصول إلى أماكن آمنة والحصول على السلاح والمال والتدريب على الأسلحة الحديثة وتشكيل خلايا نائمة.
الخلاصة:
مثلما ورد في كتاب إدارة التوحش القضاء علي دولة ما بعد الاستعمار، طرحت قوات الدعم السريع فكرة القضاء على دولة 56 في السودان.
كانت البداية لعمليات داعش في العراق استهداف قوات الأمن والشرطة والجيش في الموصل وشمال العراق، سعت قوات الدعم السريع إلى تدمير القيادة العامة للجيش والاحتياطي المركزي وسلاح الإشارة والمدرعات والتصنيع الحربي ومبنى المخابرات ومقر الأدلة الجنائية ومقار الشرطة والأكاديميات العسكرية والأمنية والشرطية.
استهداف القصر الجمهوري والإذاعة والتلفزيون وعدد 29 من مباني الوزارات والمؤسسات (مقر وزارة العدل وشركة النيل وبترودار والمواصفات والمقايس).؛
تبنت داعش العنف تجاه الافراد بقطع الرؤوس وحرق وقتل الأشخاص. قامت مليشيا الدعم السريع بقتل كل من يعترض طريقها خاصة المواطنين الذين يدافعون عن منازلهم والذين يرفضون تسليم ممتلكاتهم وسياراتهم (جمال زمقان) وعدد من المواطنين الذين تم قتلهم بشكل عشوائي في الجنينة) والقذف العشوائي للأحياء التي استشهد فيها أسر بأكملها.
قامت عناصر داعش بسرقة البنك المركزي بالموصل، قامت قوات الدعم السريع بالاستيلاء على فرع البنك المركزي والبنوك التجارية ونهب الأموال والمدخرات والذهب.
قامت قوات الدعم السريع بتدمير وحرق أبراج التضامن والفيحاء وعفراء مول والبنك الأهلي و6 محطات مياه و93% من مكاتب الكهرباء وحرق 9000 عمود كهرباء. كما دمرت 158 سوق بعد أن تم نهبها، سرقة وتدمير 411 مصنع في بحري و231 مصنع في الخرطوم. نهب وتدمير 220 صيدلية في الخرطوم وخروج 200 مؤسسة صحية عن الخدمة وأكثر من 90% من منازل المواطنين وحوالي 23 ألف سيارة سرقت. كما تأثرت عدد من الكباري من القصف المدفعي وإغلاق الطرق ومنع حرية حركة السكان.
تعذيب الأسري والتمثيل بالجثث مثلما تفعل داعش، بجانب تنفيذ الإعدامات الميدانية وتهريب السلاح وتجنيد الأطفال واستهداف المقرات الدبلوماسية التي تتبع للمنظمات الإقليمية والدولية وعدم السماح بدفن الموتى.
حرق المؤسسات الثقافية والمتحف القومي وسرقة محتوياته.
الاتجار في العملة والإضرار بالاقتصاد الوطني فتدنت العملة الوطنية إلى أعلى معدل.
بعد الضربات التي واجهتها داعش من قبل قوات التحالف في العراق وسوريا وليبيا، قامت بالتوسع والانتشار في أفريقيا وآسيا، كذلك بعد الضربات الموجعة التي وجهها الجيش لقوات الدعم السريع انتشرت في ولايات دارفور وكردفان والنيل الأبيض مستهدفة المدنيين.
قامت قوات الدعم السريع بحرق مراكز البحوث ودار الوثائق والدار السودانية للكتب وسجلات الأراضي والقضائية والسجل المدني ومكتبة الإذاعة والتلفزيون ومكتبة النفط.
خاتمة:
إن ظاهرة إرهاب الدعم السريع سوف تنتشر في كل الإقليم الأفريقي الغربي مما يهدد الأمن القومي والإقليمي، وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية والإرهاب وتهديد الأمن العالمي وتضرر المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى. لذلك لابد من وضع استراتيجية وتحالف دولي للقضاء على هذه الظاهرة الإرهابية الجديدة، ودعم قدرات السودان الوطنية، وإدراج قوات الدعم السريع في قائمة المنظمات الإرهابية العالمية، والعمل على محاربتها بعيداً عن ازدواجية المعاير والانتقائية.