رأي

الخطة الأمريكية (ب) في السودان (2 – 2)

عامر حسن عباس

يهدف الامريكان لتحقيق أهدافهم بالوقوف ضد أي الانتصار وذلك عبر تخريب العلاقات المتنامية مع الأحلاف الشرقية الدولية  ،ولذلك لا نستبعد إفتراضا أن عرضا ملغوما ومفروضا قد قُدم للسيد رئيس مجلس السيادة القائد العام في نيويورك  ؛ قائم علي التسليم باختيارهم انتصار الجيش السوداني علي المليشيا المتمردة والمساعدة في هزيمتها في الميدان وحصارها خارجيا بالتجريم العلني مقابل تعويق وتأخير صفقات التحالف الاستراتيجي الروسي والتوسع في التعاون الإيراني والصيني ، لكن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا  ،،، هل يمكن أن يتضمن العرض الامريكي إنهاء وجود المليشيا بالكلية ام ضمان الانتصار عليها لعقد مفاوضات جديدة  بشروط محسنة للجيش ؟ وهنا يكمن خطر الانسياق خلف العروض الأمريكية التي عودتنا بخبرتها الكبيرة في الوصول لنفس الأهداف بأساليب مختلفة .

لقد أيقنت الولايات المتحدة صعوبة عقد تسوية بين الجيش والمليشيا المتمردة إلا علي  أساس انتصار الجيش ولذلك غيّرت وجهتها لصياغة هذا الانتصار في حدود تمنع سحق وإنهاء المليشيا التي تمثل أهم أدوات فعلها في صياغة مستقبل السودان.

إذاً ما هي الخيارات الأمريكية تجاه هذا الوضع المعقد في السودان ؟؟
الإجابة بلا ريب ستكون
(تحويل إتفاق جدة للقضايا الإنسانية لحصان طروادة جديد ).

مع تحسن وضع الجيش في الميدان ووضوح رؤية القيادة السودانية في الذهاب للحسم العسكري ونجاح العمليات في ضرب قيادات التمرد المؤثرة واستمرار تدفق الإمداد للجيش فإن إنهاء التمرد يصبح مسألة وقت وإذا ما تم ذلك في ولاية الخرطوم فقط  فإن النهايات تصبح أكثر رسوخا وهو ما تحضر الولايات المتحدة الأمريكية لقطع الطريق عليه بالضغط  علي لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان للتوصية بنشر قوات حماية المدنيين وتعميم منع ارسال السلاح لكل السودان بدلا عن دارفور فقط وبتعميم ولاية مدعي المحكمة الجنائية الدولية علي حالة حرب الخامس عشر من ابريل وكل ذلك   يصنف  كوسيلة ضغط وسقف أعلي ستستثمره في ترتيبات العودة لمنبر جدة .

مع العملية الهجومية الواسعة للجيش السوداني ونجاحه في زعزعة يقين المليشيا وقيادتها في تحقيق أي انتصار ستعود الولايات المتحدة لمنبر جدة التي طالما اشترطت الحكومة السودانية لعودتها لأي تفاوض تنفيذ اتفاق القضايا الإنسانية الذي تم صياغته حينما لم  يمض  علي بداية القتال شهر واحد  وحينها كانت المليشيا في وضع متقدم علي الجيش وتحتل كل مراكز الدولة في العاصمة الخرطوم فقط  ،وكان بند خروجها من بيوت المواطنين وكل مرافق الدولة المدنية شرطا سيقابله بطبيعة الحال تجميع قواتها في معسكرات داخل الخرطوم ومدن السودان المختلفة انتظارا لمفاوضات المرحلة الثانية الخاصة بالسلام ترتيبات السلطة وبرامجها السياسية . والمعلوم أن عمليات التجميع في مثل هذه الحالات تتم بواسطة قوات رقابة دولية تشكّل ضامناً وحماية لقوات التمرد من هجمات الجيش الجوية والمدفعية وبالمشاة فهل من المقبول أن  تتمتع المليشيا بهذه الحالة  الحمائية مع  وقف إطلاق النار الأن ؟؟؟
وهل  من المعقول والمقبول وبعد توحشها المستغرق في دماء السودانيين وأعراضهم وارتكابها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب موثقة دوليا ومحليا  أن تكون مؤهلة للجلوس في مفاوضات لترتيبات السلطة ومسارها السياسي الانتقالي مستقبلا ؟؟؟.

ما يجب التنبيه له أن إتفاق جدة للقضايا الإنسانية كان ضرورة مرحلية لحماية الشعب السوداني ومؤسسات الدولة السودانية من التدمير وتجنيب البلاد منزلقات الحرب وآثارها البعيدة والتي تعدتها المليشيا ومن خلفها أصحاب المشروع الخارجي عندما تكفلوا بقتل عشرات الآلاف بدأ من الجنية ومرورا بكل ولايات السودان  وإجبار الملايين للنزوح واللجوء وإهانة كرامة الشعب بجرائم الاغتصاب والسبي واسترقاق النساء والاطفال داخل وخارج السودان مع تدمير شامل وكامل لكل مرافق الدولة الرسمية والأهلية وتعطيلها  ونهب البنية الاقتصادية وافقار الشعب والدولة معا وعليه فقد سقطت كل المسببات المرحلية لإتفاق جدة ونهضت في مقابل ذلك موجبات جديدة أولها ضرورة حل وتسريح المليشيا كليا بتنفيذ قرار القائد العام للجيش بدمن أي شكل من أشكال التسوية المخلة وثانيهما ملاحقة قادتها والدول التي زادت أوار الحرب لإجبارها علي تعويض ضرر السودان ومواطنيه وإلزامهم بإعادة بناء ما دمرته الحرب والثالثة  تحرير القرار الوطني بصياغة مستقبل السودان وتركه للسودانيين ممن لم يتورطوا في مخطط ابتلاع الدولة وتمزيقها بأي وسيلة كان تورطهم فيها.

إسهابنا في شرح الحالة لبيان أن تنفيذ إتفاق جدة سيكون حصان طروادة الأمريكي للحفاظ علي المليشيا التي سينهيها انتصار الجيش ونجاحه في استعادة مركز الدولة بولاية الخرطوم لأن ما سيتبقى من عمليات سيكون استكمال التطهير  من سرطان استشرى في السودان واهلك النسل والحرث فالحذر اليوم من شراك العودة لجدة أوجب من التحذيرات السابقة بعدم تجاوز الإتفاق حين كانت الضغوط تتكاثر علي قيادة الجيش.

صياغة النهايات مسؤولية القيادة :-
إن المحافظة علي النجاح العسكري واستدامتة يتطلب طرحا عاجلا لرؤية الدولة لمطلوبات المرحلة القادمة من الحرب علي اساس أن اي تحرك تفاوضي مع المليشيا سيكون علي مبادئ لا حياد عنها أهمها:-

١. أن أي منبر تفاوضي سيكون أساسه الجلوس لبحث حل وتسريح المليشيا بشكل نهائي وشامل دون أي تعويض سياسي في مقابل ذلك .

٢. أن مستقبل السودان وترتيبات الفترة الانتقالية تخص السودانيين وحدهم وهم من سيقرر ذلك في منبر جامع داخل السودان وليس خارجه

٣. أن تُبرز الدولة اجراءاتها وترتيباتها الأمنية والعسكرية للمرحلة المقبلة علي أساس دمج قوات الحركات التي قاتلت معها في مؤسسات القوات النظامية بمدى زمني محدد ومتفق عليه مع الحركات المسلحة (تنفيذ بند الترتيبات الأمنية في اتفاق جوبا للسلام مع التعديلات التي ترُاعي حالة السودان نتيجة حرب الخامس عشر من ابريل 2023) و علي ان تترافق مع هذه الترتيبات إجراءات حماية السلام الاجتماعي في السودان عموما وفي دارفور علي وجه الخصوص منعا للآثار السالبة لتمرد قوات الدعم السريع ومواقف بعض القيادات القبلية في النسيج الاجتماعي  ؛ وذلك بالاستثمار في الحراك الاجتماعي الايجابي لتنسيقيات القبائل التي بدأت في التشكل بالعاصمة المؤقتة بورتسودان.

٤. التزام قيادة القوات المسلحة برعاية الفترة الانتقالية بتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة ومنزوعة البرامج الايدلوجية واعطائها كامل الصلاحيات لتسيير دولاب العمل التنفيذي دون تدخل من الجيش لحين رعاية القوات المسلحة لمنبر السودانيين الجامع الكبير والذي سيقرر في مستقبل الدولة وكيفية تداول السلطة وإصلاح مؤسسات الدولة دون تدخلات خارجية.

خاتمة القول إن الداعي لكتابة  ما كتبنا التحذير من الشراك الأمريكية والإقليمية الملغومة التي يبدو من استقراء قرائن الأحوال أنها بدأت في  الغرف المظلمة بنيويورك وتتبدى في تقديم الاغراءات بالإذن  و تسهيل الاصطفاف المصري السياسي لإعادة السودان للاتحاد الافريقي وفي رسائل الإيقاد المنظمة الغارقة في الرشى السياسية لدعوة السودان للعودة عبر وزير خارجية جيبوتي وفي العقوبات المعلنه علي القوني حمدان والتي نتوقع تطورها لتصنيف المليشيا إرهابية إن لزم الأمر وحتي في خلق الدعاية الإعلامية السوداء عبر المليشيا التي إدّعت زوراً أن انتصار الجيش السوداني إنما هو بفضل  الجيش المصري .

العرض الافتراضي لوليم بيريز مدير CIA وفريقه الاستخباري سيكون محدودا بحدود تأكدهم من تراجعنا عن استحقاقات التفاهم الروسي الأخيرة وإثقال الخطى باتجاه الصين وإيران وعند تأكدهم من ذلك سُيترك السودان ليغرق في جحيم تكتيكاته القصيرة النفس .

الوعي معركتنا الحقيقية.
القطع مع رهان الحلول الأمريكية علي أي وعود ضرورة للانتصار وعدم شنق السودان في مقصلة الخداع.

حفظ الله السودان شعبه وجيشه ومؤسساته وكتب الذل لكل من  عاداه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى