رأي

الحوار.. والتوافق على عقد إجتماعي جديد

د. إبراهيم الأمين
… حوار سوداني لحما ودما… فيه إلتزام بالثوابت الوطنية والدولة المدنية.
رسالة إلى الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة.
الحكومة عند أبن خلدون ظاهرة إجتماعية طبيعية. وقيامها ضرورة إجتماعية. وتسير فى بادي الأمر بمقتضي شهوة السلطة, ويغلب عليها حب السيطرة والطغيان. إلا أن المجتمع سرعان ما يتطلب تطوره تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم, هذه حقيقة إجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع. وهذا يعني قيام السلطة السياسية أو الدولة نتيجة تعاقد إجتماعي, وتنازل متبادل بين السلطة والفرد, للخروج من الحالة الطبيعية الى المجتمع المنظم. بمعنى مراجعة كافة أشكال العقد الإجتماعي اليومية فى التعاملات والتبادلات بين المجتمع والدولة, وبين الأفراد ومنظومة السلطة, وبين الأفراد مع بعضهم البعض, وهو ما يمكن تسميته بالفضاءات العامة.
ان الأزمة التى نعيشها اليوم, لا مجال للجدل حولها أو نفيها. والدليل إعتراف أهل الحكم بوجودها، وذلك بالحديث عن أن الحكومات الوطنية  أخفقت فى تحقيق الإستقرار والنهوض, وجاءت الإنقاذ بسياسات عقيمة عمقت الفوارق وخلخلت البني الإجتماعية وشوهت أسس التماسك الإجتماعي. هنا, ومن حيث المبدأ, تبرز أهمية الحوار بهدف إيجاد مخرج للمجتمع من أزماته والوصول الى معادلة جديدة للحكم وفق عقد إجتماعي جديد. عقد اجتماعي لازم لتأكيد الشرعية. والشرعية تعني تمثيل الإرادة الشعبية وحماية حقوق الأفراد الطبيعية. والشرعية بمفهومها الحديث تتمحور حول الإنسان وحول حقوق المواطنة لديه، حول حريته, وحول أمنه الإجتماعي والسياسي, وحول حقه فى المشاركة السياسية الكاملة والمساواة.
لذلك يجب أن يتم الحوار مع سلطة مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة لضمان نجاح الحوار, ومعارضة موحدة الهدف وقادرة على تحمل مسؤولية الشراكة فى مرحلة الإنتقال. حوار بهذا الفهم يعني مراجعة نقدية لكل تجاربنا السابقة, والدخول فى مرحلة جديدة ومختلفة. يكون من أبرز معالمها الإتفاق على العقد الإجتماعي. والعقد الإجتماعي هو ببساطة شديدة عقد الغرض منه تأسيس السلطة السياسية على رضى المحكومين. والعقد الإجتماعي عند محمد عابد الجابري يعنى التغيير والرجوع الى الحق الطبيعي. فالبشر كانوا فى مبدأ أمرهم أحراراً لهم كافة الحقوق, ولكل واحد منهم الحق فى كل شي. وبما أن كل واحد منهم يسعي الى التمتع بجميع الحقوق, فلابد أن يؤدي هذا الى تنازع وتدافع وإقتتال. لذا, فقد أهتدوا بعقولهم الى طريقة مقبولة لتنظيم هذه الحقوق بصورة تضمن الأمن والعدل.  وأضاف الجابري, من الواضح أن فكرة العقد الإجتماعي تطرح مسألة الحكم طرحاً أعم وأعمق على مستويين: ال كانوا يتمتعون بها فى الحالة الطبيعية, مقابل حقوق مدنية تضمنها لهم الدولة. مبدأ العقد الإجتماعي هو القاعدة التى تقوم عليها الدولة الحديثة, وهو فى حالة تطور مستمر ليصبح معياراً أساسياً للحكم الرشيد.
والعقد الإجتماعي هو إتفاق يكتبه حكماء المجتمع وعقلائه, بهدف بناء مجتمع متكامل أساسه العدل والمساواة. وهو إجتهاد بشري أخذت به الكثير من الشعوب التى إرتأت تشييد مجتمعات إنسانية متطورة أساسها العدل الإجتماعي للأفراد. ويكون الولاء فيها للدولة وليس للفرد، فالولاء للفرد فيه تكريس للديكتاتورية. والأساس فى أي عقد إجتماعي هو بناء دولة السلطة التي يكون فيها القانون مبنى على حقوق الناس وحرياتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى