الحرب النفسية.. أساليب مكشوفة للجيش والشعب
الأحداث – عبدالباسط ادريس
لأكثر من عام يخوض جنود الجيش والمنظومة الأمنية، معارك ضارية في جبهات عديدة، يواجهون الغزاة، ببنادق مرفوعة وصدور عارية وأرجل حافية، وبطون خاوية إلا بقليل زاد وماء يعينهم على الإقدام والثبات، فما تأثير الحرب النفسية عليهم ووقعها على مسار الحرب؟
مصادر النيران:
مع استمرار العمليات العسكرية واتساع نطاق انتهاكات المليشيا بالقرى الآمنة، ومع اتساع سيطرة الجيش على نطاق العمليات، بدأت حرب جديدة، يعتقد الخبراء أنها الأخطر، حيث يتم توظيف الأحداث لخدمة أجندة العدو من خلال الحرب النفسية، فيختلط الأمر على مؤيدي الجيش من خلال التلاعب على مواقف القادة والتشكيك في خطط واستراتيجية المعارك التي ينفذها الجنود، يشرح اللواء (م) عادل الطيب ل(الأحداث) أبعاد الحرب النفسية بالقول: إنها بدأت الآن عبر وسائل عديدة ولكن هدفها واحد وهو بناء عقل جمعي يشكك في الجيش وقدراته لإفراغ أي دعم شعبي من حوله، ويعتقد اللواء الطيب أن السند الشعبي الداعم للجيش وهو يخوض هذه المعارك كان له الأثر الأكبر في إجهاض مغامرة حميدتي بالاستيلاء على البلاد، وينبه إلى أن الحرب النفسية يتم إطلاقها الآن عبر خبراء مختصون يستغلون جهل كثير من الناس بقواعد الحرب وإدارة عملياتها وخططها، ويحذر اللواء عادل من الآثار المترتبة على الإنجرار وراء الحرب النفسية وآثارها على تحطيم معنويات الجنود.
المسيرة الطويلة:
تكشف أحاديث القائد العام للجيش وقيادات الفرق المختلفة، أن القوات المسلحة ستخوض معركة طويلة تبدأ من تحرير العاصمة والجزيرة، ولن تتوقف فى دارفور، وبالنظر للواقع فإن حرب الجيش وسعيه لإبطال مخطط ابتلاع البلاد، لم تبدأ في الخامس عشر من أبريل العام الماضي ولكنها بدأت منذ لحظة اختطاف الثورة ومشروع التغيير بعد عام 2019.
مع إعلان الجيش طي صفحة عهد البشير بدت الصورة فى ذلك الوقت بسيطة وأكثر وضوحاً.. لقد فاوض المكون العسكري قوى مدنية وطنية مثلت البديل الثوري لقيادة الانتقال، تكشف للجميع دخول لاعبين جدد إلى الساحة تسندهم حاضنة دولية (حمدوك وعبدالباري ورفاقهما). هنا أذعن الجيش لصفقة غريبة، وأظهر رصيداً وافراً من الخبرات والتجارب وقدرات استثنائية في “إدارة الصراع” واستخدم نظرية “الانتقالات المتعددة” وتجلت قدرته في الإرهاق العام والامتصاص والمناورة واستخدم أسلوبه القتالي التقليدي في التمشيط والارتكاز بعد كل مرحلة.
وظف ما بيده من أوراق وعلاقات وعمل على تخفيض مخطط ابتلاع البلاد والوصول بالمخاطر إلى حدها الأدنى.
مربع جديد
في الانتقال الأول استكمل رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ونقل العلاقة مع أمريكا لمربع جديد ومزق محظورات التطبيع مع إسرائيل وأعتقد أنه يمضي حتى الآن في التفاوض معها على نحو لا يخل باستراتيجيته وأهدافه الأساسية، وفي ذلك ربما يدرك بعمق أن إسرائيل تنظر لقيادته الحالية كحليف مرحلي.. “حلفاء تل أبيب الرئيسيون هم يطلق عليهم شعبياً _ أولاد المحفل_ وأولئك الذين قادوا حروب الأطراف”.
في الانتقال الثاني سهل عملية التواصل مع المؤسسات المالية الدولية مما أوصل ديون السودان لنقطة اتخاذ القرار.
هذه التسوية ربما أراد لها الجيش أن تكون مقبولة ومتحكم فيها عبر فاعلية وطنية تستخلص فوائدها وتتجنب مخاطرها، مع الأطراف الرئيسية في الصراع ومن القوى التي ظلت تحرك الأحداث من خلف المسرح والمكونة مما يسميه البعض بمجموعة رأس المال “العولمي” و”الإقليمي” المشترك التي تريد العمل في البلاد (مشاريع واستثمارات).
لكن يبدو أن من مثلوا أطراف رؤوس الأموال هذه هم من يقفون وراء إثارة هيكلة القوات النظامية، بمعنى أنهم يبحثون عن “بندقية” تحمي مصالحهم ولاتهدد مشاريعهم المستقبلية في السودان ويلوحون بورقة “لعبة الفوضى”. وفي الواقع فإن هذه المجموعات تمتلك شبكة عمل معقدة بالقطاعات الإنتاجية والمالية والخدمة المدنية على نحو يمكنها من شل الدولة!.
وعند اكتشاف خسارتها للمعركة في مقابل عمل المنظومة الأمنية والعسكرية الاحترافي، وبعد إفشال محاولة إدخال بعثة دولية تحت الفصل السابع، لجأت هذه المجموعات لتفعيل الخطة (ب) باللعب على التناقضات الأمنية وعملت على توظيف بندقية “حميدتي” واختطافها، للسيطرة على كامل البلاد.
حسابات فنية
ومن واقع ذلك يبدو أن السودان يخوض الآن حرباً متعددة الجبهات وتبدو أكبر من خسارة معركة عسكرية في رقعة جغرافية محددة تخضع غالباً لتقديرات وحسابات فنية عسكرية محضة، لكنها قد لاتصح مدخلاً للخضوع لأساليب الحرب النفسية دون نظرة كلية لمجريات الحرب بمفهومها الواسع.