البيان الرباعي حول السودان: سيادة زائفة ونفاق سافر

بقلم صباح المكّي – نائب رئيس التحرير، براون لاند نيوز
يزعم البيان المشترك الصادر عن الرباعية بشأن السودان أنه يدافع عن السيادة ويصون السلام. غير أنه في جوهره ينتزع صوت السودان، ويضع الجيش الوطني في كفّة واحدة مع ميليشيا مرتزقة، ويمنح نظام أبوظبي حصانة من أي مساءلة. خلف ستارٍ من اللغة الإنسانية المصطنعة، يتخفّى النفاق، وتُكرَّس المعايير المزدوجة، ويُرسم مخطط للهيمنة الأجنبية، لن يقبل به السودان قط.
السيادة المنتهكة
في الثاني عشر من سبتمبر 2025، أصدرت الولايات المتحدة والسعودية ومصر ونظام أبوظبي بياناً مشتركاً حول السودان. للوهلة الأولى يتزيّن النص بمفردات السيادة والاهتمام الإنساني والانتقال الديمقراطي. غير أنّ وراء صياغاته المصقولة وثيقة تنكر على السودان سيادته، وتساوي بين جيش دستوري وميليشيا مأجورة، وتغسل جرائم نظام أبوظبي عبر مسرح الدبلوماسية.
فالسيادة في جوهرها هي حق الشعوب في رسم مصيرها دون وصاية خارجية. وأي إطار صادق لا بد أن يُشرك السودان عند الحديث عن مستقبله. لكن السودان لم يُستشر ولم يُدعَ إلى قمة الرباعية. جرى رسم قرارات الحكم والانتقال في عواصم أجنبية، بينما جلس نظام أبوظبي ـ الذي قطع السودان علاقاته به لتورطه في تسليح ميليشيا الدعم السريع ـ على الطاولة شريكاً مزعوماً للسلام.
فإن أُعيد تعريف السيادة لتصبح إقصاء الدولة ذاتها وتكريم المعتدي عليها، فالكلمة إذن قد أُفرغت من معناها. ولم تعد مبدأً سامياً، بل غطاءً لهيمنة خارجية على مستقبل السودان.
المعادلة الزائفة: الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع
تعلن الرباعية أنه «لا حل عسكرياً» وتدعو إلى «المشاركة الفاعلة للجيش والدعم السريع». غير أن مثل هذا الخطاب يطمس حقيقة أساسية لا تقبل المساواة أو الالتباس. فالجيش السوداني ليس مجرد فصيل بين فصائل، بل هو الجيش الدستوري لجمهورية السودان، المؤتمن على حماية السيادة وصون حياة المدنيين. أما ميليشيا الدعم السريع فليست سوى قوة مرتزقة ممولة من نظام أبوظبي، متهمة بارتكاب جرائم إبادة وفظائع وتجنيد للمرتزقة.
إن مساواة الطرفين إهانة للشعب السوداني، وإهدار لتضحيات جيشه، ومكافأة لأولئك الذين أحرقوا القرى، وارتكبوا المجازر بحق المدنيين، وحاصروا المدن. فلا دولة ذات سيادة على وجه الأرض تقبل بهذا الانتقاص من مكانة قواتها المسلحة. إلا إذا كان قصد الرباعية الحقيقي هو التمهيد لانحراف أكبر: رفع ما يُسمّى بـ«الحكومة الموازية» التابعة لميليشيا الدعم السريع، والتي لا وجود لها إلا في “الفضاء السيبراني”، إلى مرتبة مساوية لمؤسسات الدولة السودانية الشرعية.
والتاريخ يكشف النفاق. فالولايات المتحدة طالما لجأت إلى القوة العسكرية لحسم صراعاتها. والسعودية ونظام أبوظبي يخوضان حرباً في اليمن منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. وإسرائيل تواصل حملتها الضارية على غزة استناداً إلى قناعة راسخة بأن النصر العسكري ممكن.
فلماذا يُحرم السودان وحده من حقه في الدفاع عن نفسه بالسلاح ضد ميليشيا مدعومة من نظام أبوظبي؟ ولماذا يُسمح لغيره باستخدام القوة بينما يُمنع على السودان، وجيشه يقاتل لا في أرضٍ غريبة بل في ترابه الوطني؟
لو تمرّد الحرس الوطني، فهل كانت الولايات المتحدة لتتفاوض معه أم لتستخدم قوتها العسكرية لإعادة النظام؟ أما مصر فقد خاضت، منذ ما بعد عام 2013، حملة عسكرية ضارية استمرت سنوات لسحق من وصفتهم بالإسلاميين في سيناء، لأنها اعتبرتهم تهديداً لأمنها القومي. وهل كانت السعودية أو نظام أبوظبي ليعاملا تمرّداً مسلّحاً بوصفه شريكاً سياسياً مشروعاً أم ليدكّاه بالقوة؟ وإذا كانوا لا يؤمنون أصلاً بإمكانية الحسم العسكري، فلماذا أشعلوا حرب اليمن من بدايتها؟ ولماذا يرفضون التفاوض مع الحوثيين ويواصلون قصف اليمن بعد خمسة عشر عاماً من الحرب؟ إنهم لن يمنحوا مثل هذا الاعتراف أبداً. ومع ذلك يُملى على السودان أن يفعل بالضبط ذلك.
هذا ليس حياداً، بل استراتيجية محسوبة لإضعاف الجيش السوداني وتفكيكه، وهو آخر مؤسسة وطنية صامدة، تمهيداً لإعداد سلطة وكيلة تكون مقبولة لدى العواصم الأجنبية.
تسييس الرواية الإنسانية
لقد وثّقت الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي جرائم ميليشيا الدعم السريع: تعطيل قوافل الإغاثة، مهاجمة الشاحنات، ودفع المدنيين إلى حافة المجاعة. وعندما طالبت واشنطن الجيش السوداني بفتح ممر إلى الفاشر خلال اثنتين وسبعين ساعة، امتثل الجيش. أما الميليشيا فرفضت، ثم تجرأت على مهاجمة القوافل في وضح النهار. وتكرر المشهد ذاته في الخرطوم والجزيرة وسنار، حيث تحوّل التجويع إلى سلاح ممنهج.
ومع ذلك، ظلت الهدن الدولية تسير على النمط نفسه: تُعلَن حين يتقدّم الجيش، وتُخرق على يد الميليشيا، وتُستغل لإعادة تسليحها بالأسلحة المتدفقة من نظام أبوظبي. ثم تأتي البيانات لتدين «الطرفين»، فتوفر حماية للجلادين وتخفي مسؤوليتهم.
إن هذا السجل يكشف أجندة الرباعية الحقيقية. لقد جرى تحوير القانون الإنساني نفسه وتحويله إلى عصا سياسية مسلطة على جيش السودان. وأضحى وصول المساعدات ورقة مساومة تُستخدم لابتزاز الحكومة وانتزاع التنازلات، بينما تواصل ميليشيا الدعم السريع ارتكاب فظائعها بلا رادع.
خدعة الديمقراطية
إن خريطة الطريق التي طرحتها الرباعية ـ هدنة لثلاثة أشهر، ثم وقف دائم لإطلاق النار، يعقبها انتقال مدني لتسعة أشهر ـ إنما بُنيت على باطل. فمجرد الإشارة إلى «الأطراف المتحاربة» تساوي بين جيش السودان السيادي وميليشيا ترعاها أبوظبي. مثل هذه الصياغات لا تمهّد لسيادة وطنية، بل لوصاية خارجية. فهل يُراد للسودان أن يوضع تحت وصاية أجنبية؟ وهل سينتدب حاكمٌ لحكمه؟
وحين تتحدث الرباعية عن «انتقال يقوده مدنيون»، فأي مصداقية تملك السعودية ونظام أبوظبي للحديث عن الديمقراطية؟ لم يعرفوا انتخابات قط، لا على مستوى دائرة محلية ولا على مستوى وطن. لا برلمانات منتخبة لديهم، ولا تاريخ في الحكم الديمقراطي. ومصر ليست بأحسن حال: فمنذ استقلالها عام 1952 وهي رهينة حكم الجيش، تارة بالزي العسكري وتارة بالبدلات. وحدها تجربة مدنية منتخبة لم تدم سوى عام، أطاح بها انقلاب جديد.
أما السودان فله تقاليده السياسية الراسخة. عرف تجارب ديمقراطية متعاقبة، وشهد ثورات أطاحت بالديكتاتوريات، وصاغ حياة سياسية امتدت إلى كل فئات المجتمع. أن تجرؤ هذه الدول على تلقين السودان دروساً في الديمقراطية ليس حنكة سياسية، بل مهزلة دموية تُعرض فوق مسرح معاناتنا.
يبدو أنّ الديمقراطية لا تُفرض إلا في السودان على يد من لم يمارسها قط. هذا ليس دعماً للمؤسسات الديمقراطية، بل إعداداً لزرع وكلاء يرضون عنهم في العواصم الأجنبية.
اللافتات المستوردة والمعايير المزدوجة
إن البند الذي يحذر من الجماعات «المرتبطة بالإخوان المسلمين» لا يعدو أن يكون استيراداً لرواية صيغت في الخارج. فالإخوان المسلمون، في حقيقتهم، حركة مصرية تأسست عام 1928، وقُمعت بيد الجيش عام 2013. غير أن أنظمة كبرى، مثل مصر ونظام أبوظبي والسعودية، حوّلت هذا الوصف إلى سلاح لتجريم أي فاعل سياسي ذي توجّه إسلامي ووسمه بالتطرف.
وبهذا المنطق الأعوج، كان ينبغي حظر الحزب الحاكم في تركيا، واعتبار مؤسسات السعودية الوهابية متطرفة، ووصف إسرائيل الدينية بالدولة الراديكالية، والتشكيك في السياسة الأمريكية ذات الطابع اليهودي-المسيحي. لكن وحده السودان يُستهدف. بينما القوة المتطرفة الحقيقية ـ ميليشيا الدعم السريع التي تحرق القرى، وتجوع المدن، وتستجلب المرتزقة ـ تُعفى من الذكر تماماً.
ويتجلى النفاق أكثر في النقاش حول الدعم العسكري الخارجي. فالجيش السوداني، بصفته المؤسسة الوطنية الرسمية، يملك حقاً سيادياً في إبرام اتفاقيات دفاعية ثنائية. أما ميليشيا الدعم السريع، فلا تقوم إلا على السلاح والمال والمرتزقة الذين يمدّهم نظام أبوظبي: أسلحة عبر ليبيا وتشاد، خطوط مرتزقة من كولومبيا، وتدفّقات نقدية من أبوظبي. ومع ذلك يبقى مهندس هذه الحرب بالوكالة بلا اسم، بلا إدانة، وبلا عقوبة.
فإذا كانت الرباعية تؤمن حقاً بأن الدعم الخارجي يغذي الصراع، فلتتوقف الولايات المتحدة عن تزويد إسرائيل بالسلاح الذي يطيل أمد الحرب في غزة ويمنع السلام. ولتكف عن بيع الأسلحة لنظام أبوظبي، وقد ظهرت أسلحته الأمريكية الصنع في أيدي ميليشيا الدعم السريع. وليبدأوا بالسعودية، التي لا تزال تعتمد على الجنود السودانيين لحراسة حدودها الجنوبية، بينما القواعد الأمريكية مترسخة في أراضيها وفي أراضي نظام أبوظبي.
حين يوفّر الجيش السوداني جنوده لحماية أمن الآخرين، يُصفق له باعتباره جهداً مشروعاً. أما حين يطلب العون لحماية ترابه الوطني، يُدان بأنه يذكي الحرب.
أَحَرامٌ على بَلابِلِهِ الدَّوْحُ *** حَلالٌ لِلطَّيْرِ مِنْ كُلِّ جِنْسِ؟
فذلك لا يمت إلى العدل بصلة، بل هو نفاق فجّ يندى له جبين المبدأ.
نفاق الخطاب حول إيران
في هذا السياق، فإن فرض العقوبات على وزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم ولواء البراء ليس سوى عبثٍ فاضح وكاشف في الوقت ذاته. فلواء البراء قد تم دمجه بالفعل في صفوف القوات المسلحة السودانية، ما يعني أن الرباعية تفرض عقوباتها، عملياً، على الجيش الوطني نفسه، وهو الركيزة الأساسية لسيادة السودان.
أما الادعاء بأن للدكتور جبريل إبراهيم صلات بإيران، فمحض سخرية. فالسجل الدولي يكشف عكس ذلك تماماً. ففي مارس 2023 أعادت السعودية وإيران علاقاتهما الدبلوماسية في اتفاق رعته الصين. وفي الأشهر السبعة الأولى فقط من عام 2024، تجاوز حجم التبادل التجاري بين إيران ونظام أبوظبي 16 مليار دولار في السلع غير النفطية. ويستضيف النظام اليوم أكثر من ثمانية آلاف شركة إيرانية، وما يقارب 800 ألف مواطن إيراني، إضافة إلى 122 ألف رجل أعمال إيراني ينشطون في التجارة هناك. وفي التاسع من سبتمبر 2025، التقى وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي نظيره الإيراني عباس عراقجي في القاهرة لبحث قضايا إقليمية وملف إيران النووي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحتى الولايات المتحدة نفسها لا تزال تواصل مفاوضاتها المباشرة مع طهران.
فأين المبدأ إذن؟ مع السعودية ونظام أبوظبي ومصر وواشنطن، تُعامل إيران كمفاوض وشريك تجاري وفاعل دبلوماسي. أما حين يتعلق الأمر بالسودان، تتحول إيران فجأة إلى «شبح الجهادية» يُستدعى لتبرير العقوبات وتفكيك مؤسسات الدولة السودانية. ليس هذا انسجاماً مع القيم ولا التزاماً بالمبادئ، بل نفاق صريح متنكر في رداء المبدأ.
أمن البحر الأحمر: المهرّبون أوصياءً
تتدفق الأسلحة عبر ليبيا وتشاد، فيما تُهرَّب الأموال والمقاتلون عبر بوصاصو في بونتلاند وعبر موانئ في أرض الصومال، وكلاهما حوّله نظام أبوظبي إلى منصات لوجستية تخدم حروبه بالوكالة. ومن هناك، تُفتح الممرات البحرية التي تسيطر عليها ميليشياته الوكيلة في اليمن لإشعال حروبٍ هدفها تمزيق اليمن وتفكيكه. ومن بوصاصو أيضاً انطلقت الطائرات المسيّرة التي استهدفت بورتسودان.
هذه الشبكات لا تزعزع استقرار السودان فحسب، بل تهدد كامل حوض البحر الأحمر، من طرق التجارة إلى الحدود والأمن البحري.
فكيف يمكن لنظام أبوظبي، الذي تقوم شبكاته على رعاية هذه الجرائم عينها، أن يتظاهر بدور الضامن لأمن البحر الأحمر؟ وذلك لا يقل عبثية عن أن يُسلَّم مهرّب زمام الجمارك. السودان يعرف الحقيقة: لن يتحقق الأمن المطلق إلا بتفكيك ميليشيا الدعم السريع وقطع الشرايين الأجنبية التي تغذيها من جذورها.
جدة، القاهرة، والنفاق الأخير
تُشيد الرباعية بمساري جدة والقاهرة بوصفهما منصّات شاملة. لكن الحقيقة أنّهما أطالا أمد الحرب ومزّقا صفوف المدنيين السودانيين. ففي جدة انهارت الهدن سريعاً بيد ميليشيا الدعم السريع التي كانت أوّل من يخرقها. وفي القاهرة جُمِعَت قوى مدنية منتقاة بعناية في قاعات الفنادق، جرى فيها تهميش الأصوات الحقيقية وإقحام الدمى والمتعاطفين مع الميليشيا. والأدهى أنّ مفهوم «الطيف المدني» تُرك فضفاضاً بما يكفي لإعادة إدخال حلفاء الدعم السريع، مع الإقصاء الصريح للإسلاميين.
فبأي حق تفترض الرباعية أنّها تحدد مصير شعب السودان؟ وإذا اختار السودانيون أحزاباً متجذّرة في ثقافتهم الإسلامية، فهل ستقصفنا الرباعية؟ هل ستقتلنا؟ إن حجم النفاق مذهل. تزعم الرباعية أنّها تدافع عن الديمقراطية، بينما أعضاؤها ـ مصر والسعودية ونظام أبوظبي ـ يزجون بآلاف من مواطنيهم في السجون لمجرّد تغريدة أو احتجاج أو رأي مخالف. أليس الأجدر بهم أن يبدأوا بالتعامل مع معارضاتهم قبل أن يلقوا على السودان دروس الديمقراطية؟
ورغم كل ذلك، تبقى المفارقة الأكثر فجاجة. نظام أبوظبي، مهندس الحرب في السودان وخازن أموالها، يجلس إلى طاولة الرباعية بوصفه شريكاً في السلام. بصماته حاضرة على كل جريمة ارتكبتها الميليشيا: شحنات السلاح عبر ليبيا وتشاد، مقاتلون كولومبيون في دارفور، طائرات مسيّرة انطلقت من بوصاصو، وأموال تموّل المجازر والحصارات. لقد قطع السودان علاقاته مع نظام أبوظبي تحديداً بسبب هذا الدور. فدعوة النظام ليوقّع على إعلان للسلام لا تقل عبثية عن أن يُسلَّم المِحرَق القلم ليضع قانون مكافحة الحرائق. فالسلام لا يُصاغ بمدادٍ يقطر دماً.
لقد أعلن السودان بوضوح أنّ نظام أبوظبي لا ينبغي إشراكه في أي مفاوضات، وصنّفه دولة معتدية. ومع ذلك يُستقبل على الطاولة بدافع البترودولار. ومنذ البدء، باتت الرباعية مشروعاً فاشلاً لا يعني الشعب السوداني في شيء. لقد تحمّل السودان العقوبات والحصارات والمجاعات والحروب، لكنه لن يركع.
الخاتمة
يتدثر بيان الرباعية بلغة إنسانية منمقة، لكنه في جوهره ينزع عن السودان سيادته. فهو يساوي بين جيش وطني دستوري وميليشيا مرتزقة، ويوفّر لنظام أبوظبي حصانة من المساءلة، ويفرض جداول زمنية مرسومة في عواصم بعيدة.
فكيف يمكن للسودان أن يأخذ على محمل الجد إعلاناً للسلام يرفع المعتدي الأول عليه إلى مقام ضامن للاستقرار؟ إن الرباعية تزعم أنها تعارض الدعم العسكري الخارجي، ومع ذلك تحتضن الدولة الأكثر تورطاً فيه. وتدّعي حماية المدنيين، فيما تحمي القوة التي تموّل تجويعهم ومجازرهم.
إذا كان نظام أبوظبي يعد شريكاً في السلام، فإن الكلمات قد فقدت معناها. فهذا ليس حياداً، بل تواطؤ مكشوف، يُغسل عبر بيانات دبلوماسية جرائم أبوظبي. سيكتب التاريخ حكمه، والسودان يعرف الحقيقة: نظام أبوظبي ليس شريكاً في السلام بل خازن حرب، ولن يغيّر أي بيان ممهور في واشنطن أو الرياض أو القاهرة هذه الحقيقة.
إن هذا الإعلان لا يعدو أن يكون مهزلة صيغت في أبوظبي، ودُفعت أثمانها بالبترودولار، وخُتمت في الخارج. وهو لا يعني السودان في شيء. فالسودان ليس الإمارة الثامنة، ولا فناءً خلفياً للقوى الأجنبية. إنه ليس ضعيفاً ولا فقيراً. بل هو أرض خصبة، وموارد غنية، ومياه عذبة، كنوز ستُشعل من أجلها حروب المستقبل. الرمال لا تطعم الشعوب، أما تراب السودان ومياهه العذبة فهما معين الحياة. ولهذا يطمعون فيه، ولهذا لن نفرّط فيه أبداً.
لقد ظنّ نظام أبوظبي أن السودان سيتفكك في أيام، وأن دولتنا ستُختطف بانقلاب سريع. فإذا به مكشوف، ينزف، ويتعثر. لن يغسل الدماء عن يديه، ولن يُسقط السودان، ولن يمحو سيادته.
السودانيون ليسوا شعباً ساذجاً. لقد رأينا نتائج تجارب الرباعية في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن. والمفارقة المذهلة أنّ المهندس الذي صاغ ما سُمّي بالانتقال في سوريا، ثم وقف متفرجاً على احتراقها، هو نفسه المبعوث الذي أُرسل إلى السودان: فولكر بيرتس. وبصفته الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة “يونيتامس”، برز بيرتس بوصفه المهندس الأول للاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، ذلك الاتفاق الذي يراه السودانيون بحق الشرارة التي أشعلت حرب اليوم، والمخطط لانقلاب ناعم استهدف إضعاف القوات المسلحة السودانية ومنح الشرعية لميليشيا مرتزقة. ولم يكن وحده، فقد كان الاتفاق الإطاري مدعوماً ومروَّجاً من ذات الرباعية: الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، بينما غابت مصر عن المشهد آنذاك.
إلى العالم نقول: السودان لن يركع.
وإلى جيشنا نقول: تقدّم، اسحق المرتزقة، وحرّر الأرض.
وإلى الرباعية نقول: إن خطتكم قد سقطت قبل أن تولد. سنقاتل حتى يُطرد آخر مرتزق، وحتى تتحرر دارفور، وحتى يُستعاد كل شبر من تراب السودان، بما فيه ما سُمّي زوراً “المناطق المحررة”.
هذه ليست نهاية السودان، بل نهاية الأوهام. السودان باقٍ. السودان مقاوم. السودان منتصر.
وبل بس.



