الأحداث – وكالات
في إطار الحراك المكثف الذي يقوم به السودان في الفترة الأخيرة، تأتي زيارات خارجية مهمة لدول الجوار التي تؤثر وتتأثر بالأزمة في البلاد، وتعد الزيارة لكل من أريتريا وأثيوبيا وجنوب السودان، محاولات لمزيد من توطيد العلاقات مع الدول الصديقة كأريتريا، وقد تكون تحييدا لأديس أبابا، أما جوبا فالحفاظ على التوازن الموجود بها قد يكون مهما في هذه المرحلة.
الزيارة لجوبا
وزار رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان جوبا (الأربعاء)، وأجرى جلسة مباحثات مع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، تتعلق بترقية وتطوير العلاقات الثنائية ،ودفع آفاق التعاون المشترك. وقال وكيل وزارة الخارجية السوداني السفير حسين الأمين في تصريح صحفي، إن الزيارة لجوبا تأتي في إطار التشاور المستمر بين قيادتي البلدين، مبيناً أن الزيارة تأتي أيضا لتقديم الدعم للرئيس سلفاكير ولحكومة جنوب السودان بشأن تطورات الأوضاع بالجنوب، وأضاف أن رئيس المجلس السيادي قدم شرحاً شاملاً لسلفاكير حول الأوضاع في السودان على خلفية التمرد الذي قادته مليشيا الدعم السريع الإرهابية ضد الدولة ومؤسساتها، مشيراً الى تقدم القوات المسلحة والقوات النظامية والقوات المشتركة في كافة محاور العمليات، وقال وكيل الخارجية، إن الزيارة تطرقت أيضاً للتعاون بين البلدين في مجالات البترول والتجارة وأمن الحدود، فضلا عن إسهامها في إعادة تنشيط وإحياء العلاقات الثنائية.
مردود ايجابي
من جانبه، أوضح وكيل وزارة الخارجية بدولة الجنوب مجاك فيلمون مجوك أن زيارة البرهان لجوبا، جاءت في إطار العلاقات الوطيدة بين الدولتين، مبيناً أن الرئيسين تناولا عدداً من القضايا المشتركة، على رأسها التعاون في قطاع النفط وأمن الحدود المشتركة بجانب مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، وأعرب مجوك عن أمله في أن تسهم هذه الزيارة في تمتين علاقات التعاون بين السودان وجنوب السودان بما يخدم مصالح الشعبين. بدوره أكد سفير السودان بجوبا الفريق ركن عصام الدين كرار أن الزيارة سيكون لها مردود ايجابي في مسيرة التعاون بين البلدين، وقال إن لقاء البرهان بنائب رئيس جنوب السودان رياك مشار كان مثمراً وبناءا تم فيه مناقشة القضايا المشتراكة ذات الصلة بملف التعاون بين البلدين.
لا توجد حكومة
وفي عشية الزيارة إلى جوبا (الثلاثاء)، كان قد صرح نائب رئيس جنوب السودان تعبان دينق بأنه لا توجد حكومة في الخرطوم، وقال دينق خلال مخاطبته فعالية بجوبا الى ما أسماها بحكومة بورتسودان ليس لها وقت للاستماع لمعاناة أهل أبيي، وإنها ليست أولوية بالنسبة لهم، وحث دينق السفراء والمنظمات بجوبا لزيارة أبيي للوقوف على معاناة المواطنين هناك، وقال لقد عانى شعب أبيي في صمت لفترة طويلة جداً، ولا يمكننا أن نتجاهل محنتهم بعد الآن، وحث المجتمع الدولي على إلقاء نظرة فاحصة على الوضع في أبيي، مضيفا أنها ليست مجرد قضية إقليمية، بل إنها أزمة إنسانية تتطلب اهتماماً وتدخلاً عالميين، وتابع أن مطار أطونج يلعب دوراً حاسماً في هذه المهمة، إلا أن حكومة الخرطوم أغلقته ويجب فتحه والسماح للأمم المتحدة وقوة الأمم المتحدة الإنمائي عالأمنية المؤقتة لأبيي والرحلات الجوية التجارية بالعمل بسلاسة، لافتاً إلى أنه يمكن للمطار أن يصبح شريان حياة لأبيي، وتسهيل المساعدات الإنسانية، وتعزيز النشاط الاقتصادي، وربط أبيي بالمنطقة الأوسع.
جوبا تتبرأ
وبعد ساعات من تصريح نائب سلفاكير، تبرأت حكومة دولة جنوب السودان من هذا الحديث الذي أدلى به تعبان دينق، وقال وزير شؤون الرئاسة في الجنوب شول ماووت، إن التصريحات التي أدلى بها تعبان دينق، لا تعكس الموقف الرسمي لجمهورية جنوب السودان، أو وجهات نظرها بشأن القضايا الإقليمية، وتتعارض مع موقف جوبا الواضح حول استقرار المنطقة، وأكد أن حكومة الجنوب تحترم حكومة السودان.
موقف مزدوج
وربما تعكس تصريحات تعبان دينق موقفاً مزدوجاً لما يحدث في جنوب السودان، ففي الوقت الذي يؤكد فيه سلفاكير وحكومته على متانة العلاقات مع الحكومة في السودان، نرى من حين إلى آخر بعض الأمور التي تصب في صالح مليشيا الدعم السريع، ومنها استقبال الرجل الثاني بالمليشيا، عبد الرحيم دقلو في جوبا، وأحاديث عن ضغط المليشيا لتحصيل رسوم من عبور نفط جنوب السودان عبر بورتسودان، إضافة إلى مشاركة عدد من مواطني القبائل في الجنوب في الحرب مع المليشيا، وفرار بعض قادتها إلى الأراضي الجنوبية، كل ذلك يعطي انطباعاً أن موقف جنوب السودان غير واضح المعالم تجاه الحرب في السودان. فإلى أي مدى يمكن الحكم على دور جنوب السودان إزاء الأزمة السودانية؟
السودان يكتفي
ويؤكد وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير حسين الأمين على أن زيارة البرهان إلى جوبا في هذا التوقيت، جاءت للتأكيد على أهمية العلاقات بين البلدين، والتعاون المشترك في مختلف الملفات ولطمأنة الإخوة في جنوب السودان على الأوضاع في السودان. وقال الأمين لموقع (المحقق) الإخباري إن الزيارة كان هدفها الأساسي في إطار التواصل بين القيادتين ودعم الرئيس سلفا كير، موضحا أن الزيارة تناولت استئناف التعاون بين البلدين في مجال النفط وأمن الحدود ومختلف المجالات، مبيناً أن المباحثات بين الرئيسين البرهان وسلفاكير لم تتطرق إلى تصريحات تعبان دينق، مشيراً إلى أن الرئاسة في جوبا أصدرت بياناً حول هذه التصريحات، منوهاً إلى أن الحكومة السودانية اكتفت بذلك، وقال إن المباحثات أيضاً لم تتطرق إلى زيارات عبد الرحيم دقلو إلى جوبا، وانما ركزت على القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
توازن سلبي
من جهته رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد محمد خير أن جنوب السودان يلعب دوراً مزدوجاً مع القضية في السودان. وقال خير لموقع (المحقق) الإخباري إن هناك ما وصفه بـ ” التوازن السلبي” تلعبه جنوب السودان في الأزمة، مضيفاً من جهة تستجيب جنوب السودان للضغوط الإماراتية، ومن جهة أخرى تأخذ في اعتبارها العلاقة مع الحكومة السودانية والجيش، وتابع من الطبيعي أن مجموعة النوير في الجنوب تكون مساندة للجيش والحكومة السودانية، للدور الذي لعبه الجيش في العلاقة بين النوير والسلطة في جوبا.
عبور النفط
ولفت خير إلى أن هناك علاقة قديمة بين تعبان دينق والإمارات، وقال إن تصريحات دينق تنطلق من هذه العلاقة، وإنه لن يستطيع أن يفرط فيه، معتبراً أن وجود دينق في السلطة مقترن بالمشاريع المشتركة للإماراتيين في جنوب السودان، مؤكداً أنه مالم تعدل الإمارات عن تدخلها في السودان، سيظل جنوب السودان في مربع التوازن السلبي، وقال إن زيارة البرهان إلى جوبا تأتي للترتيب لعبور نفط الجنوب، وإن هذا يستوجب اتفاقاً مسبقاً، مبيناً أن الجيش عندما يسترد ولاية الجزيرة سيكون الطريق مفتوحاً لعبور هذا النفط، مؤكداً أن هناك ضرورة اقتصادية ملحة للحكومة السودانية للاتفاق على هذا المرور.
حياد الدينكا
ورأى خير أن البرهان يريد حياد الدينكا في المعركة، وقال إن الدعم السريع لديه علاقات تجارية كبيرة في جنوب السودان، وأن هناك مستحقات مالية للمليشيا في الجنوب، مضيفاً أن عبد الرحيم دقلو يذهب إلى جوبا من آن إلى آخر للحصول على هذه الأموال، لافتاً إلى أنه يضغط مرة بكينيا ومرة بأثيوبيا للحصول على هذه الأموال، وقال إن هذا مؤشر على انحسار الدعم المالي الإماراتي للمليشيا، موضحاً أن تعبان دينق ليس مفوضاً للحديث عن قضية أبيي، وأن هناك بروتوكولاً حولها بين البلدين، ويتصدر الحديث عنها أبناء المنطقة مثل دينق ألور وفرانسيس دينق، معتبراً أن تعبان أقحم نفسه في الحديث عن أبيي في ضوء الصراع الذي يدور داخل الجنوب تجاه السودان.
نقلا عن موقع “المحقق”