الإمارات العربية المتحدة: كيف ارتدت سياستها الخارجية بنتائج عكسية في سوريا والسودان

بقلم: عمر عبد الرحمن
السياسة الخارجية التدخلية للإمارات، ودعمها للأسد في سوريا والدعم السخي لقوات الدعم السريع في السودان، جاءت بنتائج عكسية، إذ أضرت بسمعتها العالمية، ونفّرت حلفاءها، ووضعتها في مواجهة مباشرة مع المصالح الأمريكية.
واجهت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة العديد من التحديات في السنوات الأخيرة. من سقوط بشار الأسد في سوريا، بعد أن استثمرت أبوظبي رأس مال سياسيًا ضخمًا في تطبيع العلاقات مع نظامه، إلى الانتكاسات العسكرية الأخيرة التي منيت بها قوات الدعم السريع في السودان، والتي ظلت الإمارات تدعمها رغم الاتهامات الموثقة بارتكاب إبادة جماعية، لم تؤت مغامرات أبوظبي في المنطقة أكلها.
على العكس من ذلك، أدت هذه التحركات إلى تدهور صورة الإمارات عالميًا، ووضعتها في خلاف مع حلفائها الخليجيين، ودفعتها إلى التصادم مع الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة.
لماذا أدارت دول الشرق الأوسط ظهرها للإمارات؟
قبل الهجوم الخاطف الذي شنته هيئة تحرير الشام ضد نظام الأسد، والذي أسفر عن الإطاحة به، كان قطار التطبيع بين سوريا والدول الخليجية يسير بسرعة، وكانت الإمارات تتصدر هذا المسار. ففي عام 2018، كانت الإمارات أول دولة خليجية تعيد فتح سفارتها في دمشق، بعد سبع سنوات من إغلاقها إثر اندلاع الحرب الأهلية.
وفي كلمة له خلال احتفال باليوم الوطني للإمارات أقيم في دمشق، لم يُخفِ القائم بالأعمال الإماراتي عبد الحكيم نعيمي دعم بلاده للنظام السوري، قائلاً:
“آمل أن يسود الأمن والاستقرار في الجمهورية العربية السورية تحت ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد.”
وفي مؤشر إضافي على دفء العلاقات، زار وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد دمشق عام 2021، والتقى بالأسد لبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وقد أثارت هذه الزيارة انتقادات من إدارة بايدن، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس:
“نشعر بالقلق من هذا الاجتماع والإشارة التي يُرسلها. وكما قلنا سابقًا، هذه الإدارة لن تدعم أي جهود لتطبيع أو إعادة تأهيل بشار الأسد، الذي يُعد ديكتاتورًا وحشيًا.”
وفي عام 2022، زار الأسد الإمارات في أول زيارة دبلوماسية له إلى بلد عربي منذ اندلاع الحرب، في تحدٍ واضح لواشنطن، التي فشلت في حشد دعم خليجي لعزل روسيا – الحليف الأساسي للأسد.
الإمارات تحالفت بقوة مع النظام السوري قبل سقوطه
في يناير 2024، استكملت أبوظبي إعادة علاقاتها بالكامل مع دمشق، بتعيين حسن أحمد الشحي سفيرًا لها في سوريا، لأول مرة منذ نحو 13 عامًا.
وبعد 11 شهرًا فقط من هذا التطبيع الكامل، شنت هيئة تحرير الشام هجومها المفاجئ على نظام الأسد، وسيطرت على مدينة تلو الأخرى، بينما كانت إيران منهكة، وروسيا غارقة في مستنقع حربها في أوكرانيا. وأمام هذا المشهد، فرّ الأسد من البلاد، ما أضاع سنوات من الاستثمار السياسي الإماراتي في محاولة إعادة تأهيل ديكتاتور وحشي، وأدى إلى توتر العلاقات مع الحكومة الإسلامية الجديدة، التي تنظر بعين الريبة إلى أبوظبي.
وكانت الإمارات تأمل من تقاربها مع دمشق في تحقيق هدفين أساسيين:
1.تقليص نفوذ إيران في سوريا من خلال تقديم بدائل للأسد.
2.وقف تدفق مخدر الكبتاغون إلى أراضيها.
لكن كلا الهدفين لم يتحقق.
الإمارات لم تجنِ شيئًا من علاقتها مع الأسد
شكّل الكبتاغون – وهو مخدر صناعي شديد الإدمان يُنتج في سوريا – شريان حياة لنظام الأسد المحاصر بالعقوبات، ويدر عليه نحو 7.3 مليار دولار سنويًا. واستغل الأسد تجارة المخدرات هذه كورقة مساومة في مفاوضاته مع الدول العربية، مهددًا بانتشار وباء مخدرات محلي ما لم تُقدَّم له تنازلات سياسية واقتصادية.
ورغم تطبيع العلاقات، استمرت المخدرات في التدفق إلى الإمارات. ففي فبراير 2023، اعتقلت سلطات مطار أبوظبي رجلًا حاول تهريب 4.5 مليون حبة كبتاغون مخبأة في علب طعام. وفي وقت لاحق من نفس العام، ضبطت سلطات ميناء جبل علي 86 مليون حبة كبتاغون داخل خمس حاويات شحن، بقيمة تتجاوز مليار دولار.
أما على صعيد تقليص النفوذ الإيراني، فلم تظهر دمشق أي مؤشرات على تخفيف علاقاتها مع طهران. بل على العكس، رحبت إيران بجهود تطبيع الأسد مع الدول العربية، واعتبرتها مكسبًا استراتيجيًا.
وقال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان خلال زيارة إلى دمشق عام 2022:
“نحن نرحب بجهود بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات مع سوريا. هذا تطور إيجابي بالنسبة لنا.”
دعم قوات الدعم السريع في السودان: مقامرة خاسرة أخرى
اندلعت الحرب الأهلية في السودان بسبب صراع على القيادة بين الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، والفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس الدولة الفعلي. وكان الخلاف يتمحور حول كيفية دمج قوات الدعم السريع البالغ عددها 100,000 عنصر في الجيش.
في 15 أبريل 2023، اندلعت الاشتباكات بعد أن رأت القوات المسلحة السودانية أن تحركات قوات الدعم السريع تمثل تهديدًا. وكما هو الحال في أغلب الحروب الأهلية، كان المدنيون الضحية الأكبر، حيث قُتل عشرات الآلاف، واندلعت مجاعة، وفرّ أكثر من 12 مليون سوداني من منازلهم.
وقفت الإمارات إلى جانب قوات حميدتي، الذي كانت قد اعتمدت عليه في خوض حروبها بالوكالة في اليمن وليبيا. وتراه أبوظبي حامي مصالحها الاقتصادية في السودان، خصوصًا استثماراتها في الذهب ومشاريع الموانئ الضخمة.
رغم إعلانها المتكرر عن الحياد، كانت الإمارات طرفًا فاعلًا في الحرب، وأسهمت في إطالة أمدها بتسليح قوات الدعم السريع، وتعزيز صفوفها بالمرتزقة.
دور الشركات الأمنية والمرتزقة الكولومبيين
كشف تحقيق لصحيفة وول ستريت جورنال أن شركة “مجموعة الخدمات الأمنية العالمية” (GSSG) – وهي شركة أمنية خاصة مقرها أبوظبي وتعلن أنها المزوّد الحصري للأمن لصالح الحكومة الإماراتية – جندت مرتزقة كولومبيين للقتال في السودان.
وقامت الشركة بتهريب هؤلاء المرتزقة عبر ليبيا إلى مناطق سيطرة الدعم السريع في دارفور.
وفي حادثة أخرى، وخلال تفتيش طائرة شحن إماراتية في مطار عنتيبي الأوغندي، عثرت السلطات على صناديق مليئة بالذخيرة والأسلحة، رغم أن أوراق الشحن كانت تشير إلى أنها مساعدات إنسانية.
دعم الإمارات للدعم السريع جلب لها الاتهامات
رغم محاولات أبوظبي التنصل، فإن دعمها الموثق لقوات الدعم السريع ألحق بها أضرارًا جسيمة على مستوى السمعة الدولية. فقد وجدت الإمارات نفسها أمام محكمة العدل الدولية، متهمة بالتواطؤ في جرائم الإبادة الجماعية في دارفور.
ورغم أن المحكمة أسقطت القضية لأسباب إجرائية (وليس بسبب عدم وجود أدلة)، فإن الضرر كان قد وقع بالفعل.
وفي يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية في السودان، وفرضت عقوبات على سبع شركات إماراتية مرتبطة بالمليشيا.
وفي الوقت الذي انهارت فيه صورة الإمارات، اغتنمت السعودية الفرصة لتعزيز دورها كـ”قوة استقرار”، بدعم الحكومة السودانية، وإبراز دورها في الإغاثة واستقبال اللاجئين السودانيين.
التصادم مع السياسة الأمريكية
لم يقتصر التصادم على العلاقة مع السعودية، بل شمل أيضًا الولايات المتحدة.
فقد كشف تحقيق أجرته منظمة SourceMaterial أن الإمارات استخدمت مرتزقة فاغنر المتمركزين في أفريقيا الوسطى لنقل أسلحة إلى الدعم السريع.
وبحسب متحدث باسم “تحالف الوطنيين للتغيير” (CPC) – وهو فصيل يقاتل فاغنر في أفريقيا الوسطى – تم اعتراض العديد من شحنات الأسلحة الإماراتية الموجهة إلى الدعم السريع منذ بداية الحرب.
وبينما كانت واشنطن تحشد حلفاءها لعزل روسيا، اختارت أبوظبي مساعدة موسكو، مما قوض الجهود الأمريكية.
نهاية حلم الإمارات في السودان
رغم كل ما قدمته الإمارات لحميدتي، تجد قواته نفسها الآن في موقف دفاعي. ففي 20 مايو 2025، أعلنت القوات المسلحة السودانية أنها حررت كامل العاصمة الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي والمطار، من قوات الدعم السريع.
وكانت الإمارات تأمل أن دعمها لحميدتي سيمنحها حصة في مستقبل السودان، إلا أن سجل قواته في انتهاكات حقوق الإنسان، وافتقارها لأي قدرة على الحكم، قلل من فرصتها في لعب أي دور سياسي مستقبلي، ما لم تحدث مفاجأة عسكرية كبرى.
الخلاصة: الإمارات دعمت الخاسرين
من بشار الأسد في سوريا إلى حميدتي في السودان، راهنت الإمارات على الحصان الخاسر. لم تؤدِّ تدخلاتها إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، بل أسهمت في تشويه سمعتها، وتحسين صورة منافستها السعودية، والإضرار بمصالح حليفها الأهم: الولايات المتحدة.
إذا كانت الإمارات ستواصل مساعيها للهيمنة الإقليمية، فعلى واشنطن أن تتدخل للحد من سياساتها التدخلية قبل أن تُقوّض المصالح الأمريكية.
Exit mobile version