الأقمار الاصطناعية تحاصر المليشيا بأدلة علمية في مجزرة السريحة

 

الأحداث – وكالات 

طبقت هيئة الإذاعة البريطانية أسلوباً علمياً متفرداً في إثبات جرائم مليشيا الدعم السريع المتمردة ضد المدنيين في قرية السريحة بولاية الجزيرة، وهي مذابح طالت العشرات من المدنيين والأسر، وبرهنت بي بي سي كذب المليشيا التي أرادت التملص من الجرم و إنكار التقتيل والاذلال اللذين مارستهما.

لم تركن الهيئة إلى التقارير المتواترة التي وردت إليها من مراسليها وشهود العيان، والبيانات الحكومية ومزاعم النفي من مليشيا الدعم السريع، ولا إلى أشرطة الفيديو التي أوردها مرتكبو الجرم بأنفسهم، ولا إلى روايات أسر الضحايا على صدقها وكثرتها، إنما لجأت فوق ذلك إلى الأقمار الاصطناعية والصور الحرارية و مقارنة المباني وعينات و ألوان التربة وتراب المقابر والتعرف على وجوه المهاجمين الغازين، ثم قارنت بين هذه البيانات جميعاً لتصل إلى نتيجة حاسمة: 《مليشيا الدعم السريع ارتكبت جرائم ومذابح في قرية السريحة في ولاية الجزيرة》.

السياق الذي وقعت فيه الجرائم والتقتيل

ثم وضعت الهيئة هذه الأفعال الشنيعة في سياقها إذ أوردت أن التقتيل وقع حين فارق القائد السابق لقوات الدعم السريع، أبوعاقلة كيكل، معية التمرد وعاد إلى الجيش السوداني واستأسف نادماً عن ميله في ماض قريب إلى مليشيا الدعم السريع التي وجدت فيه ظهيراً قوياً في المنطقة، لذلك كانت أوبته للحق أمراً مُراً علقما ما وجدت المليشيا طريقة تعبر بها عن غضبها سوى الانتقام من المدنيين العزل من أهله و عشرته وحواضنه الإجتماعية.

ملخص التحقق

وأشارت الهيئة في تقرير لها عن المقتلة أن تحليلا أجرته (بي بي سي) ضمن برنامج “التحقق” على “مقاطع فيديو تظهر مقاتلين يتفاخرون بمذبحة ثم يسخرون من الناجين فيما بعد”، و قطع البرنامج أن المسؤولين على أنهم ينتمون على ما يبدو إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية.”

واستعرض التقرير المعلومات و البيانات الأساسية، و قال إن “ما لا يقل عن 80 شخصًا لقوا حتفهم في هجوم أكتوبر على قرية السريحة في ولاية الجزيرة” وقد ذكرت الأمم المتحدة أن عدد القتلى قد يصل إلى 124 شخصًا.

و نقل شهود عيان لبرنامج “بي بي سي – التحقق” من أنهم شاهدوا بأم أعينهم “مدنيين غير مسلحين يتم إطلاق النار عليهم من قبل مقاتلين من مسافات قريبة أثناء محاولتهم الفرار”.

وقالت الهيئة واضعة للقتل في سياقة: “يبدو أن المذبحة كانت بسبب انشقاق أحد كبار قادة قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة وانضمامه إلى القوات المسلحة للبلاد” ، و أضافت أن متحدثاً باسم قوات الدعم السريع، نفى في تصريح لبي بي سي، تورط مقاتليها في عمليات القتل، مضيفًا أن “قوات الدعم السريع تعمل على حماية المدنيين وتعزيز الأمن والسلام، وليس استهدافهم”.

وأوضحت الهيئة في تمهيدها أنه وبعد فترة وجيزة من انشقاق كيكل، “شنت عناصر مسلحة سلسلة من 69 هجومًا انتقاميًا على الأقل على مناطق وقرى في ولاية الجزيرة في الفترة ما بين 20 أكتوبر و4 نوفمبر، وفقًا للبيانات التي سجلتها منظمة مراقبة الحرب المسلحة، ورصدها موقع الصراع وبيانات الأحداث (ACLED) .

وطبقت البي ب سي برنامجا يعرف ب” التحقق verify ” تطبق فيه كل الأدوات التي ذكرنا آنفا وتخلص من بعدها إلى نتيجة مقنعة سواء كانت مع الفرضيات أو ضدها.

إذ قامت خدمة التحقق من بي بي سي بفحص إحدى هذه الهجمات بالتفصيل، باستخدام شهادة شهود العيان، وصور الأقمار الصناعية، ولقطات الفيديو والصور الفوتوغرافية، لفهم ما حدث.

كيف وقعت مجزرة في السريحة

كان محمد إسماعيل يؤدى صلاة الصبح حاضرا في مسجد القرية في صباح 25 أكتوبر حينما سمع أصوات و هدير المقاتلين يقتربون من ضواحي مدينة السريحة، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها حوالي 15.000 نسمة، وتقع على بعد 90 كيلومترًا (60 ميلاً) جنوب العاصمة الخرطوم.

وروى إسماعيل ل “بي بي سي” إنه هرول مسرعا إلى بيته سعيا للحاق و حماية أسرته إذ دوت أصوات الرصاص و اندلعت أعمال العنف في كل مكان على حيت غرة. وقال إن المهاجمين تسلقوا سطح أحد المساجد، وبدأوا في أطلاق النار “على كل شي يتحرك” في مرماهم أسفل سطح المسجد. وقال إن العديد من الأشخاص أصيبوا بالرصاص أثناء محاولتهم الهرب، “وقُتل آخرون بالرصاص من مسافة قريبة في الحواشات المحيطة بالبلدة. وكان العديد من أفراد اسرته من بين القتلى.

ثم علقت البي بي سي أن ما يثبت أن المهاجمين من مليشيا الدعم ظاهريا في الصور،” قوات تحمل شارة قوات الدعم السريع وهي تحتفل بهجومها على القرية وبقتل المدنيين من السكان المحليين و العلامة المميزة للدعم هي الشارة الدائرية التي تظهر على أكتافهم اليمنى، والتي تظهر أيضًا في بعض المقاطع الأخرى، لها مخطط أسود وتمثيل منحني للعلم السوداني وشعار دائري فوق هذا الرمز الذي تستخدمه قوات الدعم السريع”، ثم عرضت صوراً للعلامة المميزة لزي الدعم السريع مع العلامات في الصور التي يرتديها المهاجمون .. “لقد تأكدنا أن تصوير هذا الفيديو تم في السريحة من خلال مقارنة المباني والعلامات البارزة المادية الأخرى الموجودة في مقاطع الفيديو مع صور الأقمار الصناعية للقرية “.

ثم قامت باستعراض عقارب ساعة: كان أحد المهاجمين يستعرض ساعة يده إلى الكاميرا، ليظهر أن تاريخ الهجوم كان في 25 أكتوبر ويكرر بصوته بنبرة عاليةٍ تاريخ المذبحة في السريحة.” ليطابق ذلك ما قاله السيد إسماعيل حينما ذكر تاريخ دخول المهاجمين للقرية ثم أضاف بأنه تعرف على بعض المهاجمين المشاركين في المذبحة ووصفهم بأنهم كانوا من المقيمين السابقين في القرية والذين التحقوا بمليشيا الدعم.

وروى إسماعيل أنه تم حفر مقبرة جماعية في مقابر القرية لدفن القتلى.

وتاتي صور الأقمار الاصطناعية التي تم التقاطها بعد الهجوم، و فيها أمكن رؤية بروز ارتفاعات المقبرة في أماكن لم تكن مستغلة في الدفن سابقًا من المقبرة. هذه القبور الجديدة لم تكن موجودة في صور الأقمار الاصطناعية الملتقطة في مايو من نفس العام. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية الان نتوءً جديدة من التراب في المقبرة في السريحة و يبدوا جلياً وجود أكوام ترابية كبيرة محفورة حديثًا مرئية في المقبرة المحلية.

ويشرح ناثانيال ريموند، المدير التنفيذي ل “مختبر أبحاث الشؤون الإنسانية بجامعة ييل”، لبي بي سي أنه في صورة منفصلة تم التقاطها في 30 أكتوبر، يبدو أن القبور قد حُفرت مؤخرًا نظرًا للشكل المميز للتلال ولون الأرض المحيطة بها. و أوردت البي بي سي رسماً بيانيا يظهر صورة قمر صناعي من 6 ديسمبر تبدو فيه المقبرة بشكل أكثر وضوحًا.

“وقال خبير جامعة ييل الامريكية، (وهي الجامعة التي أثبتت وجود أسلحة مدفعية من عيار هاوتزر وجدت في حوزة المليشيا في قصفها للمدنيين النازحين في معسكرات زمزم حول الفاشر- تعليق من المحرر) إن هذين المؤشرين يخبراننا بأن التلال لم تكن موجودة هناك على الأرجح لأكثر من بضعة أيام لأن حواف التلال بمرور الوقت تصبح أكثر نعومة وغموضًا بسبب الرياح والغبار”، كما قال إن المقابر الجماعية حديثة مصداقاً لقول السكان و الفيديوهات وشسهود العيان.

وقال التقرير إنه بينما لا تستطيع هيئة الإذاعة البريطانية التحقق من عدد الأشخاص الذين ربما دُفنوا في القسم الجديد من المقبرة، فإن حجم التلال الترابية المقاسة مقابل المبنى الأبيض القريب يشير إلى أنه ربما دُفن الكثير جداً من الجثامين.

ناجون من التقتيل بعد دفع فدية

بمجرد انتهاء إطلاق النار الأولي وسيطرة المليشيا على القرية قاموا بتجميع كل الرجال الناجين وتم احتجازهم. وقد حصلت هيئة الإذاعة البريطانية على مقاطع فيديو لهذه الاعتقالات والاختطافات.

في أحدها، يمكن رؤية ما لا يقل عن 60 شخصًا جالسين أو واقفين إزاء جدار تحت حراسة مسلحة للأفراد من المليشيا.

وتزامنا مع ذلك أوردت وسائل التواصل الاجتماعي، الناجين وهم جلوس إزاء الجدران بينما يقوم الحارس المسلح بتصويرهم. وأشارت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنه تم القبض على الناجين من قبل المليشيا.

وتعلق البي بي سي أنه يبدو أن بعض الأسرى من كبار السن، ويرتدي الكثير منهم ما يبدو أنه ملابس بيضاء لكنها ملطخة بالدماء. و في لقطات من الفيديو، يسخر المهاجمون من الأسرى ويصفونهم بانهم اولاد كلب وكلابًا و يجعلونهم يقلدون أصوات حيوانات (اشارة لاذلال و التحقير).

“قولوا باع، يا كلاب، قولوا باع، قولوا باع. ” ثم يهددونهم بالقول : هل تتجرأون لحمل السلاح في وجه الدعم السريع مرة أخرى ، لا تعبثوا مع قوات الدعم السريع”.

وقال التقرير إن بي بي سي- تحقق أثبت أن هذا الفيديو قد جرى تصويره في الجزء الشمالي الغربي من القرية من خلال مطابقة العلامات المميزة الأساسية الموضحة على خرائط الأقمار الصناعية. على وجه الخصوص، هناك هيكل من الحديد المموج الظاهر ويمكن رؤيته أيضًا في صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 30 أكتوبر.

يُرى مدنيون آخرون يسيرون في صف واحد وأيديهم مرفوعة وتُظهر اللقطات لاحقًا المهاجمون وهم يسخرون من الأسرى المدنيين، مع إجبار السكان على إصدار أصوات محاكاة للحيوانات “بينما يضحك المقاتلون ويتفرجون عليهم”. و في وسائل التواصل الاجتماعي يري نفس هؤلاء الأسرى وهم يتم استعراضهم أمام الحارس الذي يقوم بتصويرهم ويبدو العديد منهم كبار في السن، بعضهم يرتدي ملابس بيضاء.

وفي وقت لاحق، سارت مجموعة أخرى من الرجال أمام المهاجمين وهم يضعون أيديهم خلف ظهورهم.

ومع مرور المجموعة امامنهم بدأ المهاجمون يسخرون منهم و أمكن التعرف علي أحدهم ظهر في مقاطع سابقة مع المهاجمين مرة أخرى. وسأل المهاجم الأسرى: “هل هزمنا السريحة”، قبل أن يقول مرارًا وتكرارًا: “هل أحسنا التصرف معكم؟”

وقال الأمين العام لمؤتمر الجزيرة، المُبر محمود، لبي بي سي إن المقاتلين أخذوا معهم 150 رهينة بعد مغادرتهم القرية. وقال إن ما لا يقل عن 11 أسيرًا – بما في ذلك فتاة تبلغ من العمر ثلاث سنوات – قُتلوا منذ ذلك الحين. إلا أن بي بي سي تحقق لم تتمكن من تأكيد هذه الرواية بصورة منفصلة.

ولكن الشهادة التي قدمها لنا أحد سكان البلدة محمد إسماعيل تشير إلى أن الناجين أجبروا على دفع فدية للإفراج عن أفراد أسرهم. وقال إن خاطفيهم طلبوا ما بين 100 و1000 دولار أمريكي لاطلاق الفرد الواحد من المدنيين.

وفي بيان لها، حثت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد الدول على التوقف عن توفير الأسلحة لكلا جانبي الحرب. وقالت إن الإمدادات تطيل من أمد الصراع. و أضافت “لقد تحمل شعب السودان كل سعير الحرب. هذا الشعب يستحق العيش في أمان وكرامة وعدالة. هو شعب يستحق الحياة”.

نقلا عن موقع “المحقق”

Exit mobile version