الأحداث – وكالات
عقد مجلس الأمن الدولي، الخميس، جلسة وزارية بشأن السودان، ترأستها الولايات المتحدة الأميركية، وتحدث فيها مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس، بجانب السلطان سعد بحر الدين، سلطان قبيلة المساليت، فضلًا عن ممثلي عدد من الدول والهيئات.
كلمة مندوب السودان:
طلب المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس في كلمته أمام الجلسة الوزارية من الولايات المتحدة الأميركية تصنيف “مليشيا” الدعم السريع كجماعة إرهابية، والضغط على الإمارات لوقف شحنات الأسلحة إليها، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة قد تسهم في إنهاء الحرب الدائرة في السودان.
وأعرب الحارث عن تقدير بلاده للجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في مجال الإغاثة الإنسانية والبحث عن حل لإنهاء النزاع، مشيدًا بالدعم الذي وصفه بـ”الإيجابي” و”المستمر” الذي تقدمه واشنطن للسودان. وأكد الحارث أن المساعدات الإنسانية الأميركية تجاوزت قيمتها الإجمالية مليار دولار، مشيرًا إلى الإدانات المتكررة من قبل وزارة الخارجية الأميركية للجرائم والانتهاكات التي ترتكبها الدعم السريع.
كما أوضح أن الولايات المتحدة طلبت من المليشيا رفع الحصار عن مدينة الفاشر، مشيرًا إلى الجهود التي بذلها الكونغرس لتجريم المليشيا ووقف تصدير الأسلحة إلى الإمارات. وأضاف الحارث أن وكالة العون الأميركية والمبعوث الأميركي الخاص بالسودان أظهرا ارتباطًا وثيقًا مع الحكومة السودانية، وذلك عبر زيارات ميدانية ومساعٍ دبلوماسية لتعزيز فرص السلام وإنهاء الأزمة، حد قوله.
سلطان المساليت:
وخاطب الجلسة أيضًا السلطان سعد بحر الدين، سلطان قبيلة المساليت التي تعرضت لمجازر في غرب دارفور على يد قوات الدعم السريع. السلطان في بيانه أمام مجلس الأمن ترحم على الآلاف من أبناء المساليت الذين قتلوا في الجنينة وأردمتا، وجميع السودانيين الذين قتلوا خلال الحرب.
وقال بحر الدين إن سلطنة دار مساليت تمثل نموذجًا للتمازج الثقافي والاجتماعي، حيث تعيش فيها مكونات إثنية وقبلية متنوعة. وذكر أن الحرب التي وصلت إلى دار مساليت أدت إلى استهداف منهجي وواسع النطاق لأهل القبيلة بسبب هويتهم الإثنية، حيث ارتُكبت بحقهم أبشع الجرائم التي تتمثل في الإبادة الجماعية. وأضاف أن مدينة الجنينة، عاصمة غرب دارفور، تعرضت لحصار استمر لمدة شهرين على يد قوات الدعم السريع والمليشيات التابعة لها، مما أسفر عن مقتل نحو 10 آلاف شخص وإصابة عشرات الآلاف وتشريد مليون شخص على الأقل هربوا إلى تشاد.
وأفاد بحر الدين أن الممارسات الإجرامية التي تعرض لها المساليت شملت القتل والاغتصاب، وحرق الناس ودفنهم وهم على قيد الحياة، والتمثيل بالجثث أمام العالم، بما في ذلك جثة والي الولاية، خميس أبكر، الذي كان ينتمي إلى قبيلة المساليت.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، وجه سلطان دار مساليت عددًا من المطالب لمجلس الأمن، أولها تعزيز الأمن في ولاية غرب دارفور، التي تعاني من انفلات أمني نتيجة للحرب والفوضى التي خلّفها النزاع. كما شدد على ضرورة تقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة للمحتاجين، بما في ذلك المأوى والغذاء والمياه والعناية الطبية للنازحين واللاجئين في دول الجوار.
ودعا بحر الدين أيضًا إلى إجراء تحقيقات جنائية محايدة وعادلة في الانتهاكات التي ارتُكبت بحق قبيلة المساليت والمواطنين السودانيين الآخرين، ومعاقبة الجناة وتعويض الضحايا بما يضمن لهم العدالة. وأخيرًا، طالب بمناشدة الأطراف المتنازعة في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات لاستكمال مسار الحوار والتوصل إلى حل سياسي يحقق السلام والاستقرار.
الأمم المتحدة.. أزمة غير مسبوقة
خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن وصفت إيديم وسورنو، مديرة العمليات بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أزمة السودان بأنها “غير مسبوقة في حجمها وقسوتها”. وأكدت أن الوضع يتطلب اهتمامًا عاجلًا ومستمرًا من المجتمع الدولي.
وأشارت وسورنو إلى الكارثة الإنسانية الناجمة عن الصراع، ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، أي ما يعادل ربع سكان السودان، منهم 3.2 ملايين شخص فروا إلى دول الجوار، مما زاد من الضغوط على مناطق تعاني أصلًا من محدودية الموارد.
وأكدت وسورنو جهود الأمم المتحدة الميدانية بقيادة منسق الإغاثة الطارئة توم فليتشر، الذي زار السودان وتشاد مؤخرًا. وأوضحت أنه تم إحراز تقدم في فتح مسارات إغاثية وتحسين الوصول الإنساني، بما في ذلك تمديد الإذن باستخدام معبر “أدري” الحدودي الحيوي مع تشاد.
وفي السياق ذاته، أعلن فليتشر عن تخصيص خمسة ملايين دولار بشكل فوري من صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ لدعم المستجيبين المحليين والدوليين الذين يواجهون ضغوطًا هائلة لمساعدة اللاجئين السودانيين في تشاد. كما تمكن برنامج الأغذية العالمي من الوصول إلى معسكر زمزم للنازحين في شمال دارفور الشهر الماضي، حيث أرسل أول قافلة غذائية منذ الإعلان عن ظروف المجاعة في يوليو الماضي.
واشنطن تعلن مساعدات إنسانية:
وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي ترأس الجلسة، أعلن عن تخصيص 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للسودان. وأوضح بلينكن أن التمويل سيُستخدم لتوفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، مشددًا على ضرورة إيصال المساعدات بشكل آمن وسريع. كما أكد عزم الولايات المتحدة استخدام كافة الأدوات المتاحة، بما في ذلك فرض عقوبات إضافية، لمنع الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها، داعياً الدول الأخرى لاتخاذ خطوات مماثلة تجاه الأطراف التي تؤجج الصراع.
ودعا الوزير الأميركي مجلس الأمن إلى الضغط على الأطراف المتحاربة لوقف القتال وحماية المدنيين. كما حث الدول الخارجية التي تدعم طرفي النزاع بالأسلحة والموارد على إنهاء تدخلاتها.
وأكد بلينكن أهمية إشراك المجتمع المدني السوداني، وخاصة النساء، في الجهود الرامية لاستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وأعلن عن تخصيص 30 مليون دولار لدعم منظمات المجتمع المدني السودانية وتعزيز مشاركتها في رسم مستقبل البلاد.
تركيا تطالب بتحرك عاجل:
ودعت تركيا إلى تحرك دولي عاجل للتعامل مع الأزمة الإنسانية والصراع المتصاعد في البلاد. وأكد المندوب التركي أحمد يلدز خطورة الأوضاع الإنسانية، لافتًا إلى أعداد النازحين والقتلى المدنيين خلال الصراع، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المرافق الصحية.
وأكد المندوب التزام تركيا بوحدة السودان وسلامة أراضيه وسيادته بعيدًا عن التدخلات الخارجية. وشدد على ضرورة معالجة جذور الأزمة لإنهاء القتال فورًا، مضيفًا: “لمساعدة الشعب السوداني، يجب أن نركز على معالجة الأسباب الحقيقية للصراع، وليس الأعراض فقط”.
وجدد يلدز التأكيد على الدعم التركي القوي للشعب السوداني، داعيًا المجتمع الدولي إلى تكثيف جهود المساعدات الإنسانية والوساطة لإنهاء الأزمة.
مجموعة (A3+) تدين التدخلات الخارجية:
ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، تحدث باسم مجموعة (A3+) التي تضم الجزائر وسيراليون وموزمبيق وغانا، ودعا إلى إدانة قوية وصريحة لأي تدخل خارجي في السودان، مؤكدًا أهمية مشاركة أطراف النزاع في مسار سياسي يقوده السودانيون تحت رعاية الأمم المتحدة.
وشدد بن جامع على ضرورة وضع حد نهائي للتدخلات الخارجية، معربًا عن قلق المجموعة من التدهور المستمر للوضع على الأرض. وأضاف: “لا يمكننا تحمل المزيد من فقدان الأرواح البريئة أو النزوح أو انعدام الأمن الغذائي أو الدمار الذي يهدد استقرار المنطقة”.
وأكد الدبلوماسي الجزائري أهمية حماية المدنيين كهدف رئيسي لأي مسار سياسي هادف وشفاف، مشيرًا إلى ضرورة تقديم مجلس الأمن دعمًا أكبر للجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية. كما دعا جميع أطراف النزاع إلى الانخراط في جهود الوساطة بنية صادقة، مبرزًا أهمية تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للفئات الأكثر احتياجًا، خاصة النساء والأطفال.
وأشاد بن جامع بالإجراءات الإيجابية التي أعلنتها الحكومة السودانية، مثل فتح المطارات للرحلات الإنسانية وإنشاء جسر جوي إلى المناطق المتضررة، إلى جانب المساعدات الغذائية التي قدمها برنامج الأغذية العالمي لمخيمات النازحين في زمزم. وحث الحكومة السودانية على الاستمرار في هذه الخطوات لتخفيف معاناة السكان المتضررين.
اختتم بن جامع حديثه بتأكيد الحاجة إلى التزام إيجابي وبناء من مجلس الأمن تجاه الأزمة السودانية، لدعم جهود السلام ومنع امتداد النزاع في المنطقة والقارة الإفريقية بأكملها.