رأي

إويضتي في الجزيرة

عبد اللطيف مجتبى

على حين غرة عصفت رياح الغدر بتلك الأعشاش الوادعة البريئة هناك في قرى الجزيرة، أولئك الذين لم يسمعوا سوى صوت المَتَر الذي تغنى به الشاعر محمد بشير عتيق ولم يسمعوا غير أصوات الطبيعة التي تُوصِل إليهم رسائل يفهمونها من ثغاء و مواء و عواء و زقزقات عصافرين غنت لها عشة الفلاتية ( غني يا طيور غني) و غير ذلك من علامات صوتية يفسرونها، يهبُّون نحوها إن دعا الأمر أو ربما يطمئنون إليها فينامون.
يتكئون ميممين أعينهم تجاه برق خافت بعيد طمعاً وخوفاً، فالزرع لم يزل بين بين.
لم يحملوا أسلحتهم و لم يأخذوا حذرهم من شيئ سوى رب الأشياء و خالقها و مدبر أمرها، فقط يرجونه موسماً يكف عنهم فيه آفات الزرع و الضرع و يكفيهم شرها وَ (يا ساتر من الدعاتر).
هكذا هم طوافون فيما بينهم محبة و حزناً و فرحاً وكرهاً و كرماً، وليس في آخر بالهم ما يعكر صفو حياتهم و يُهَجِّرهم من وطنهم الذي زرعوا فيه أرواحهم فنبتت أشجاراً لها تاريخ من ثمار الكرم و العطاء، فإنهم ينوون حين الغرس قائلين (لينا و لي غيرنا و لي طيرنا) وذلك ما أنشد به إسماعيل ود حد الزين (بلادي أنا حتى الطير يجيها جعان من أطراف تِقِيها شِبع) و منها ما يرتب عصب الاقتصاد و منها ما يدوزن عصب الأزمنة، ومنها ما يكسونا حلية و جمالاً ونصنع منه علم بلادنا و رمز سيادتها لننشد أمامه ( نحن جند الله جند الوطن… نتحدى الموت عند المحن) . و( في الفؤاد ترعاه العناية بين ضلوعي الوطن العزيز).

ترى ما جدَّ؟ هل قامت قيامتهم وهم الآن بين يدي زبانية العذاب؟.. أم ترى إنهم هدفٌ لكونهم أبرياء؟ .
مَنْ هم هؤلاء الغزاة؟ و هل يعرفوننا؟ وهل هم منا و من رحم أمنا التي ارضعتنا كل ما جميل ونبيل؟ … أين هم الفلول بين من هم ليس لديهم حتى تلفزيون ليروا فيه صورة رئيس البلاد ليعرفوه إذا لقوه في السوق أو، ل (يندهوه في الملمات الخطيرة) كما يقول المجذوب.
هؤلاء الطغاة لم يتريثوا قليلا ليحتفلوا معهم بمولد المصطفى عليه الصلاة و السلام و لم يمدحوا معهم ( السُّراي) ليرق قلبهم و ما بكوا مع أشواق حاج الماحي و أنشدوا (فوق سديس لي زيارة السيد يا جليس نفسي قبل الموت) ليقولوا لقلوبهم القاسية مع حميد عليه رحمة الله (أرضا سلاح).
هل سمعوا مناحتهم ( إويضتي في الجزيرة السمحة بارد زيرها) من إيمان الشريف بصوتها الباكي و أتوا ليرقصوا معهم و يشربوا من ذلك الزير شربة هنية تنسي تعب الحرث والعزق .. هؤلاء لم يرهفوا سمعهم لشيئ سوى (عشان أم قرون نركب الحديد بوكسي).فيقتلون و ينهبون و يغتصبون ويذلُّون الشياب ويجرونهم من مراكز وقارهم و لا يطرف لهم جفن، إنها حربهم مع الله (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى