أفريقيا والولايات المتحدة: ما يزال معدل الثقة يعاني من الضمور

 

اتسمت علاقات الولايات المتحدة مع جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالتوتر المستمر وتراجع الثقة ولعقود من الزمان، ومع مرور الوقت أخذت فجوة المصداقية تتسع بينما ينحسر بصيص الأمل في التحسن.

صحيفة الإندبندنت الأوغندية الصادرة الخميس 31 أكتوبر 2024م أشارت إلى أن القمم الأمريكية الأفريقية ستكون فاشلة إذا لم يعامل الأمريكيون الأفارقة على قدم المساواة ، ففي وقت سابق من هذا الشهر، أرجأ الرئيس الأمريكي جو بايدن رحلة إلى الخارج كانت مقررة في الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر، والتي تضمنت توقفاً في ألمانيا وأنجولا، واختار بدلاً من ذلك التركيز على الاستعدادات لوصول إعصار ميلتون إلى فلوريدا. ولكنه زار ألمانيا لفترة وجيزة في 17 و18 أكتوبر، فيما تمّ تأجيل رحلته الأولى إلى أفريقيا كرئيس حتى ديسمبر القادم، أي بعد الانتخابات الأمريكية وقبيل أسابيع من خروجه من البيت الأبيض.

وبالنسبة لبعض المراقبين الأفارقة، فإن التأخير يؤكد الأولوية المنخفضة للقضايا الأفريقية في قائمة الاستراتيجية السياسية الأمريكية.

أضف إلى ذلك أن علامات الاستياء بين الدول الأفريقية تتزايد فيما يتصل بالتدخل الأميركي، ففي مايو ، رفضت إثيوبيا تصريحات السفير الأميركي بشأن قضاياها الداخلية باعتبارها “نصيحة غير مرغوب فيها”، وفي أغسطس ، أغلقت النيجر آخر قاعدة عسكرية أميركية في البلاد، معلنة أن اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة “غير قانوني”.

هذه الحوادث تشير إلى اتجاه أوسع نطاقاً من التشكك وعدم الثقة في نوايا الولايات المتحدة بين الدول الأفريقية. وعلى الرغم من استمرار نفوذ واشنطن في القارة، فإن العجز الدائم عن الثقة يظل يشكل تحدياً مستمراً لقادة الولايات المتحدة.

وقد اتضح الأمر وصار جلياً منذ قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا في عام 2014، حينها كانت الدول الأفريقية تتوقع من الولايات المتحدة الوفاء بوعودها الاستثمارية، ولكن تصرفات واشنطن تروي قصة مختلفة إذ تشير تقديرات منصة البيانات العالمية والاستخبارات الاقتصادية “ستاتيستا” إلى أنه بعد الذروة في عام 2014، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة في أفريقيا إلى 44.81 مليار دولار في عام 2020 قبل أن يتعافى قليلاً إلى 56.29 مليار دولار في عام 2023.

وفي عام 2018، أطلقت إدارة ترامب مبادرة طموحة “ازدهار أفريقيا” تروج للجهود الأمريكية لتحفيز نمو أفريقيا من خلال زيادة التجارة والاستثمار، ومع ذلك، لم يضع الرئيس الجمهوري قدمه على الأراضي الأفريقية طوال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات في البيت الأبيض. بل إنه خفض ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بشكل كبير، مما أدى إلى تقليص المساعدات الأجنبية بدلاً من توسيعها.

ويرى عدد من المحللين أن الاستجابة التي تقودها الولايات المتحدة لقضايا تغيير المناخ وتمويل التنمية والمنافسة بين القوى العظمى لا تزال تفضل الشمال العالمي، وأن تكرار الوعود وعدم الوفاء بها لم يعزز إلا التصور الراسخ بأن واشنطن شريك غير موثوق به بطبيعته، إن لم يكن منافقًا.

إزداد الأمر سوءاً في عام 2022، حيث حظيت قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا بالانتباه بسبب حادثة لافتة، عندما تم نقل أكثر من 50 زعيماً أفريقياً بالحافلة إلى مكان انعقاد القمة. وحينها عبر الرئيس الكيني ويليام روتو عن امتعاضه من المعاملة، واشتكى مما أسماه ترحيل الزعماء في الحافلات مثل أطفال المدارس.

ونقلت الاندبندنت الأوغندية عن الممثل السابق للاتحاد الأفريقي لدى الولايات المتحدة، أريكانا شيهومبوري، قوله: “إن قمة الولايات المتحدة وأفريقيا فاشلة إذا لم يعامل الأميركيون الأفارقة على قدم المساواة”. ومن جانبه قال المحلل السياسي في غينيا بيساو سيكو كاساما إن الولايات المتحدة تتجاهل تماماً الحقائق الأفريقية، بما في ذلك “تقاليدها وحضاراتها، وتفرض دائماً مصالحها على مصالح الأفارقة”.

و وفقاُ لتحليل المحاضر في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة ليدز “أولايينكا أجالا” ، فإن الأنشطة الإرهابية والوفيات زادت بشكل مطرد منذ عام 2014 على الرغم من العمليات العسكرية الأمريكية التي بدأت في عام 2013م. ولقد أصبح الوجود العسكري الأمريكي في النيجر موضع تساؤل إذ زاد عدد الهجمات بشكل كبير منذ عام 2018 عندما افتتحت الولايات المتحدة القاعدة الجوية 201 في أغاديز”.

لقد عبرت كثير من الدول الأفريقية منذ فترة طويلة عن استيائها من تدخل واشنطن المتغطرس في شؤونها الداخلية وظلت إحدى العقبات الرئيسية في العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا هي ممارسة التدخل السياسي من خلال الوسائل الاقتصادية. فقانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، وهو سياسة تفضيلية أحادية الجانب، هو حجر الزاوية في التبادلات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأفريقيا.إذ يتعين على البلدان المستفيدة تلبية العديد من المعايير غير الاقتصادية، مثل الإصلاحات الديمقراطية، وسيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان، وإذا فقدت دولة أهليتها، فلن تكون هناك عملية لحل النزاعات ، وبالتالي أصبح قانون النمو والفرص في أفريقيا أداة مهمة للتدخل الأمريكي في الشؤون الأفريقية.

وبناء على ذلك القانون ألغت الولايات المتحدة في الأول من يناير 2022م امتيازات إثيوبيا بموجبه مما تسبب في ضربة قوية لصناعة المنسوجات والملابس المزدهرة في إثيوبيا ، و دعا السفير الأمريكي في إثيوبيا إرفين ماسينجا في مايو إلى “عملية عدالة انتقالية شفافة” لمواجهة التقارير عن الاعتقالات التعسفية المزعومة والعنف الجنسي، وأدانت السلطات الإثيوبية خطابه المثير للجدل، ووصفت تصريحاته بأنها “ادعاءات غير مستنيرة” و “نصائح غير مرغوب فيها” بشأن الشؤون الداخلية لإثيوبيا.

وفي العام التالي (أكتوبر 2023م)، أعلنت الولايات المتحدة فجأة أن الجابون والنيجر وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى سيتم استبعادها من قانون النمو والفرص اعتباراً من الأول من يناير 2024، مستشهدة بما أسمته قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.

لذلك يرى المراقبون الأفارقة أن الولايات المتحدة تستخدم مكانتها كقوة عظمى وقوتها الاقتصادية لترهيب الدول الأخرى ، في عرض صارخ للسلطة والغطرسة التي تسيء إلى أفريقيا، وأن الولايات المتحدة ، تاريخياُ، تنظر إلى أفريقيا باعتبارها حديقتها الخلفية، وقد مارست التمييز العنصري ضد الأفارقة ، كما تتميز علاقات الولايات المتحدة مع أفريقيا بأنها بعيدة عن الواقع في القارة.

نقلاً عن موقع “المحقق” الاخباري

Exit mobile version